مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " فهو للأول " . ومن أحرز صيدا فأفلت منه فصاده غيره
قال الماوردي : وهذا كما قال إذا ملك صيدا بالاصطياد أو بابتياع ، وأفلت منه لم يزد ملكه عنه سواء طال مكثه عنه أو قصر ، وسواء بعد عنه في البر أو قرب من المصر ، وسواء كان من الطير أو الدواب .
وبه قال أبو حنيفة .
[ ص: 54 ] وقال مالك : إن بعد في البر مع قرب المكث زال ملكه عنه : استدلالا بأن الإمساك سبب الملك ، فإذا زال بالانفلات زال به الملك ، كما لو ملك ماء باستقائه من نهر ، فانصب منه في النهر ، زال ملكه عنه : ولأنه لو بقي على ملكه بعد انفلاته تحرم صيد البر لجواز اختلاطه بمنفلت فحرم ، وفي إجماعهم على إباحة صيده دليل على أن المنفلت عائد في الإباحة إلى أصله .
ودليلنا هو أنه يملك الصيد بالابتياع ، كما يملكه بالاصطياد ، فلما لم يزل به الملك عما ابتاعه بالانفلات لم يزل به الملك عما صاده : ولأنه يملك عبده بالسبي : ولا يزول ملكه عنه بالرجوع إلى دار الحرب : كذلك الصيد إذا ملكه الاصطياد لم يزد ملكه عنه بالانفلات : ولأنه لو وسم الصيد قبل انفلاته لم يزل ملكه عنه بعد وسمه ، فوجب أن لا يزول به قبل وسمه : لأن الوسم لما لم يؤثر في ثبوت الملك لم يؤثر في زواله .
وأما الجواب عن استدلاله بأن زوال سبب الملك موجب لزوال الملك كالماء إذا عاد إلى النهر فهو بطلانه بالعبد المسبي إذا عاد آبقا إلى دار الحرب زال سبب ملكه ، ولم نوجب زوال ملكه ، كذلك الصيد .
فأما الماء فقد اختلف أصحابنا في حكمه إذا عاد إلى النهر على وجهين :
أحدهما : أنه على ملكه ، وإنما اختلط بما لم يتميز عنه ، فصار مستهلكا .
والثاني : أن ملكه قد زال بمثله المقدور عليه ، فخالف حكم الصيد الذي لا يقدر عليه .
وأما الجواب عن استدلاله بأن صيد البر على الإباحة بعد انفلاته ، فهو أن اختلاط الحلال بالحرام إذا لم يمكن الاحتراز منه يوجب تغليبا الإباحة على التحريم ، ألا ترى أن ماء النهر إذا أريق فيه خمر أو بول لم يحرم لتعذر الاحتراز منه : ولو اختلطت أخته بنساء بلد لم يحرم عليه أن يتزوج منهن من شاء ، ولو اختلطت بعدد من نساء بلد حرمن كلهن : لأنه لا يقدر على الاحتراز منها في نساء البلد ويقدر على الاحتراز منها في العدد المحصور من نساء البلد ، كذلك حكم الصيد المنفلت إذا اختلطت بصيد البر لم يمكن الاحتراز ، فحل ، وإذا اختلط بعدد محصور من عدة صيود حرم .