مسألة : قال الشافعي : . والضحية نسك مأذون في أكله وإطعامه وادخاره
[ ص: 115 ] قال الماوردي : أما الضحايا والهدايا فحكمها في جميع ما قدمناه سواء ، وإنما يختلفان في المحل ، فمحل الهدي الحرم ، لقول الله تعالى : ثم محلها إلى البيت العتيق [ الحج : 33 ] . ومحل الضحايا في بلد المضحي ، وهل يتعين عليه ذبحها فيه أم لا ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قولي الشافعي في هل يجزئ أم لا ؟ على قولين . تفريق الزكاة في غير بلد المالك
فإن قيل : لا تجزئ ، تعين عليه ذبح الأضحية في بلده ، فإن ذبحها في غير بلده لم يجزه .
وإن قيل : تفريقها في غير بلده يجزئ ، لم يتعين عليه ، وكان ذبحها في بلده أفضل ، وفي غير بلده جائز . ذبح الأضحية في بلده
فإذا تقررت هذه الجملة لم يخل حالها بعد الإيجاب إيجابها أن تكون عن نذر أو تطوع ، فأما التطوع فهو ما ابتدأ إيجابه فقال : قد جعلت هذه البدنة أضحية ، فيجب أن يذبحها في أيام النحر ، وكذلك الهدي ثم يسلك بها مسلك الأضحية ، وذلك مشتمل على أربعة أحكام :
أحدها : أن يأكل منها .
والثاني : أن يطعم الفقراء .
والثالث : أن يهدي إلى الأغنياء .
والرابع : أن يدخر قال الله تعالى : فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر [ الحج : 36 ] . فنص في هذه الآية على ثلاثة أحكام على أكله ، وإطعام الفقراء ، ومهاداة الأغنياء .
القول في ادخار لحوم الأضاحي
وأما الادخار ، فالأصل ما رواه الشافعي عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن ، عن عمرة بنت عبد الرحمن عائشة رضي الله عنها قالت : ، فاشتمل هذا الحديث على [ ص: 116 ] تحريم دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ادخروا الثلث ، وتصدقوا بما بقي ، قالت : فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم يحملون منها الودك ، ويتخذون منها الأسقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قيل : يا رسول الله : نهيت عن اقتناء لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فقال رسول الله : إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وتصدقوا وادخروا لأجل الدافة ثم على إباحة الادخار بعد الدافة ، والدافة النازلة يقال : دف القوم موضع كذا إذا نزلوا فيه ، فاختلف أصحابنا في معنى هذا النهي والإباحة على وجهين : ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث
أحدهما : أنه نهي تحريم على العموم في المدينة التي دف البادية إليها وفي غيرها حرم به ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث في جميع البلاد ، وعلى جميع المسلمين ، وكانت الدافة سببا للتحريم ولم تكن علة للتحريم ، ثم وردت الإباحة بعدها نسخا للتحريم ، فعمل جميع الصحابة بالنسخ إلا علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنه بقي على حكم التحريم في المنع من ادخارها بعد ثلاث ولم يحكم بالنسخ ، لأنه لم يسمعه .
وقد روى الشافعي ، عن مالك ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلى هذا إذا دف قوم إلى بلد من فاقة لم يحرم ادخارهم لحوم الأضاحي لاستقرار النسخ . نهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة ثم قال : كلوا وتزودوا وادخروا
والوجه الثاني : أنه نهي تحريم خاص لمعين حادث اختص بالمدينة ومن فيها دون غيرهم لنزول الدافة عليهم ، وكانت الدافة علة لتحريم ، ثم ارتفع التحريم بارتفاع موجبه ، وكانت إباحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إخبارا عن السبب ولم تكن نسخا ، فعلى هذا اختلف أصحابنا إذا حدث مثله في زماننا ، فدف ناس إلى الفاقة ، فهل يحرم على أهله ادخار لحوم الأضاحي لأجلهم لوجود علة التحريم كما حرم عليهم بالمدينة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يحرم عليهم لوجود علة التحريم كما حرم عليهم بالمدينة في عهد رسول الله .
والوجه الثاني : لا يحرم ، لأن التعليل بالدافة كان لزمان على صفة فصار مقصورا عليه .