الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما الحافر بالخيل والبغال والحمير نصا في أحد القولين لا نقلا من اسم الحافر عليها ، وقياسا في القول الثاني : لأنها ذوات حوافر كالخيل وفي معناها .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا هل يقاس عليها السبق بالأقدام ، أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي حنيفة ، تجوز المسابقة بالأقدام : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استبق هو وعائشة رضي الله عنها على أقدامهما : ولأن السعي من قتال الرجالة كالخيل في قتال الفرسان .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب الشافعي أن المسابقة بالأقدام لا تجوز : لأنه سبق على فعلها من غير آلة فأشبه الطفرة والوثبة : ولأن السبق على ما يستفاد بالتعليم ليكون باعثا على معاطاته ، والسعي لا يستفاد بالتعليم ، فعلى هذا إن قيل : إن المسابقة بالأقدام لا تجوز ، فالمسابقة بالسباحة أولى أن لا تجوز ، وإن قيل : بجوازها على الأقدام ، ففي جوازها بالسباحة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : تجوز كالأقدام : لأن أحدها على الأرض ، والآخر في الماء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها لا تجوز بالسباحة ، وإن جازت بالأقدام : لأن الماء مؤثر في السباحة ، والأرض غير مؤثرة في السعي .

                                                                                                                                            [ ص: 186 ] ومنها اختلاف أصحابنا في السبق بالصراع على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو مذهب أبي حنيفة أنه جائز ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج إلى الأبطح ، فرأى يزيد بن ركانة يرعى أعنزا له ، فقال يزيد : يا محمد هل لك من أن تصارعني ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما تستبق لي ؟ فقال : شاة ، فصارعه فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يزيد : هل لك العود ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تستبق لي ؟ فقال : شاة ، فصارعه ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يزيد : يا محمد اعرض علي الإسلام ، فما أحد وضع جنبي على الأرض غيرك ، فعرض عليه الإسلام فأسلم ، ورد عليه غنمه فدل على جواز السبق على الصراع .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو ظاهر مذهب الشافعي أنه لا يجوز السبق على الصراع ، لما ذكرنا من المعنيين من السبق بالأقدام ، فعلى هذا إن قيل : إن السبق على الصراع لا يجوز ، فالسبق على المشابكة بالأيدي لا يجوز ، وإن قيل بجوازه في الصراع ، ففي جوازه بالمشابكة وجهان كالسباحة .

                                                                                                                                            ومنها اختلاف أصحابنا في السبق بالحمام على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز : لأنها بالهداية تؤدي أخبار المجاهدين بسرعة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز : لأنها لا تؤثر في جهاد العدو ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى رجلا يسعى بحمامة ، فقال : شيطان مع شيطانة .

                                                                                                                                            فأما السبق بالكلام وبنطاح الكباش ونقار الديكة ، فهو أسفه ، والسبق فيه باطل لا يختلف ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية