الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : فإن اشترطا محاطة ، فكلما أصاب أحدهما وأصاب الآخر بمثله أسقطا العددين ولا شيء لواحد منهما ويستأنفان وإن أصاب أقل من صاحبه حط مثله حتى يخلص له فضل العدد الذي شرط فينضله به .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن النضال على ضربين : محاطة ومبادرة ، فبدأ الشافعي بذكر المحاطة ؛ لأنها كانت غالب الرمي في زمانه ، وقيل : إنه كان راميا يصيب من العشرة ثمانية في الغالب ، وهي عادة حذاق الرماة .

                                                                                                                                            فإذا عقدا سبق النضال على إصابة خمسة من عشرين محاطة ورماية وجب أن تحط أقل الإصابتين في أكثرهما ، وينظر في الباقي بعد الحط ، فإن كان خمسة ، فهو القدر المشروط فيصير صاحبه به ناضلا .

                                                                                                                                            وإن كان الباقي أقل من خمسة لم ينضل ، وإن كان أكثر أصابه لنقصانه من العدد المشروط ، فإذا كان كذلك لم يخل حالهما بعد الرمي من أحد أمرين : إما أن يتساويا في الإصابة أو يتفاضلا .

                                                                                                                                            فإن تساويا في الإصابة ، فأصاب كل واحد منهم عشرا عشرا أو خمسا خمسا ، قال الشافعي : " فلا شيء لواحد منهما ويستأنفان " ، فاختلف أصحابنا في مراده بقوله : " ويستأنفان " على وجهين ، حكاهما ابن أبي هريرة :

                                                                                                                                            أحدهما : يستأنفان الرمي بالعقد الأول ؛ لأن عقد المحاطة ما أوجب حط الأقل مع الأكثر ، وليس مع التساوي عقد حط ، فخرج من عقد المحاطة ، فلذلك استأنفا الرمي ليصير ما يستأنفانه في عقود المحاطة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه أراد بهما يستأنفان عقدا مستجدا إن أحبا ؛ لأن العقد الواحد لا يلزم فيه إعادة الرمي مع التكافؤ كما لا يلزم في الخيل إعادة الجري مع التكافؤ ، والذي أراه - وهو عندي الأصح - أن ينظر .

                                                                                                                                            فإن تساويا في الإصابة قبل الرشق استأنفا الرمي بالعقد الأول . وإن تساويا فيه بعد استكمال الرشق استأنفاه بعقد مستجد إن أحبا ؛ لأنهما قبل استكمال الرشق في بقايا أحكام العقد وبعد استكماله قد نقضت جميع أحكامه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية