فصل : والحال الثانية : أن ، فلا يخلو أن يكون معذورا في الفسخ أو غير معذور ، فإن كان معذورا في الفسخ ، وأعذار الفسخ أضيق وأغلظ من أعذار التأخير وهي ما اختصت بنفسه من العيوب المانعة من تتمة رميه ، وهي ضربان : يريد بالجلوس عن الرمي فسخ العقد
أحدهما : ما لا يرجى زواله كشلل يده أو ذهاب بصره ، فالفسخ واقع بحدوث هذا المانع ، وليس يحتاج إلى فسخه بالقول .
والضرب الثاني : ما يرجى زواله كمرض يده أو رمد عينه أو علة جسده ، فلا ينفسخ العقد بحدوث هذا المانع ، بخلاف الضرب الأول ، لإمكان الرمي بإمكان زواله ، ويكون الفسخ بالقول ، وذلك معتبر بحال صاحبه ، فإن طلب تعجيل الرمي ، فله الفسخ لتعذر التعجيل عليه ، ويكون استحقاق هذا الفسخ مشتركا بينه وبين صاحبه ، ولكل واحد منهما فسخ العقد به ، وإن أجاب صاحبه إلى الإنظار بالرمي إلى زوال المرض ، فهل يكون عذره في الفسخ باقيا أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يكون باقيا في استحقاق الفسخ : لئلا تكون ذمته مرتهنة بالعقد .
والوجه الثاني أن عذر الفسخ قد زال بالانتظار ، وليس للمنظر أن يرجع في هذا الإنظار ، وإن جاز له أن يرجع في الإنظار بالديون : لأنه عن عيب رضي به وجرى مجرى الإنظار بالإعسار ، وإن لم يكن لطالب الفسخ عذر في الفسخ .
[ ص: 233 ] فإن قيل بلزوم العقد كالإجارة لم يكن له الفسخ ، وأخذ به جبرا ، فإن امتنع منه حبس عليه كما يحبس بسائر الحقوق إذا امتنع بها ، فإن طال به الحبس ، وهو على امتناعه عزر حتى يجيب ، وإن قيل بجواز العقد كالجعالة ، فله ، وبعد الشروع فيه ، وقبل ظهور الغلبة ، فإن ظهرت الغلبة لأحدهما ، فإن كانت لطالب الفسخ ، فله الفسخ ، وإن كانت لغيره ، ففي استحقاقه للفسخ قولان مضيا : الفسخ قبل الرمي
أحدهما : لا يستحقه بعد ظهورها ، لتفويت الأغراض المقصودة بعد ظهورها .
والقول الثاني ، وهو الذي نص عليه الشافعي هاهنا : له الفسخ لما علل به من أنه قد يكون له الفضل فينضل ، ويكون عليه الفضل ، فينضل .