مسألة : قال الشافعي : " مثل العرج الخفيف والعور والشلل في الخنصر ونحو ذلك ، ولا يجزئ المقعد ولا الأعمى ، ولا الأشل الرجل ، ويجزئ الأصم والخصي والمريض الذي ليس به مرض زمانة مثل الفالج والسل " . وكل ذي نقص بعيب لا يضر بالعمل إضرارا بينا
قال الماوردي : اعلم أن الله تعالى أطلق عتق الرقبة في الكفارة فاقتضى إطلاقها أحد أمرين إما السلامة من جميع العيوب كالغرة في الجنين والإبل من الدية ، وإما جوازها مع كل العيوب اعتبارا بمطلق الاسم كالنذور ، لكن انعقد فيها إجماع منع من اعتبار أحد هذين الأصلين : لأنهم أجمعوا على أن من ذوات العيوب ما يجزئ ، وهي العوراء والبرصاء والجدعاء ، ومن ذوات العيوب ما لا يجزئ ، وهي العمياء والقطعاء ، والشلاء ، فاعتبرنا معنى ما أجازوه ، ومعنى ما ردوه ، فوجدناهم قد أجازوا منها ما لا يضر بالعمل إضرارا بينا ، وردوا منها ما يضر بالعمل إضرارا بينا ، فصار هذا أصلا عقده الإجماع في الكفارة خارجا عن الأصلين في إطلاقها ، فاعتبروا كمال المنفعة دون كمال الصفة ؛ لأن ، فاعتبرنا كمال ما توجه إليه التمليك من المنافع دون الصفات ، فإذا صار هذا أصلا معتبرا انساق عليه التفريع ، فقلنا : إن العوراء تجزئ بكمال منافعها ، وإنها تدرك بإحدى العينين ما تدركه بهما ، فإن قيل : فقد المقصود بالعتق تمليك الرقبة منافع نفسها قيل : لأنه قصد به كمال اللحم واستطابته في الأضحية والعور مؤثر فيه ، فمنع منه ، ولم يمنع مما قصد به كمال المنفعة في العتق فأجيز فيه . وإذا أجزأت العوراء في عتق الرقبة فأولى أن يجزئ عتق الحولاء والخيفاء والمقطوعة الأنف والأذنين والبرصاء ؛ لأن كل هذه العيوب غير مضرة بالعمل ، وكذلك يجزئ منع الشرع من الأضحية بالعوراء ؛ لأن عملها كامل والإشارة معهما تقوم مقام النطق ، فإن لم يفهما الإشارة لم يجز عتقهما ، فإن عتق الخرساء ، وعتق الصماء الشافعي [ ص: 326 ] أجاز في موضع عتقهما ومنع منه في موضع آخر ، وليس ذلك على اختلاف قولين ، وإنما هو على اختلاف حالهما في فهم الإشارة ، فأما إن لم يجز ؛ لأن اجتماعهما مؤثر من العمل ومقتضى عرفهم الإشارة ولا يجزئ اجتمع فيهما الخرس والصمم لإضرار العمى بالعمل ، ولا يجوز عتق العمياء ولا عتق المقطوعة اليدين أو إحداهما ، بخلاف العوراء لأن ذهاب إحدى اليدين مضر بالعمل ، وكذلك إحدى الرجلين وذهاب إحدى العينين غير مضر بالعمل ، ويجزئ عتق المقطوعة الرجلين أو إحداهما إذا كان عرجها قليلا ، ولا يجزئ إذا كان كثيرا ؛ لأن قليله غير مضر وكثيره مضر ، وتجزئ عتق العرجاء ، أو الخناصر والبناصر من الأطراف كلها ، ولا يجزئ إذا اجتمع قطع الخنصر والبنصر من طرف واحد ، ويجوز إن كانا من طرفين : لأن اجتماعهما مضر وافتراقهما غير مضر ، ولا تجزئ المقطوعة الإبهام أو السبابة أو الوسطى ؛ لأن قطع كل واحدة من هذه الأصابع الثلاث مضر ، فأما قطع الأنملة الواحدة فيمنع منها إن كانت في الإبهام ولا يمنع منها إن كانت في غيرها من الأصابع ؛ لأن الباقي من أنامل غير الإبهام أكثر ، بخلاف الإبهام ، والشلل في الأطراف كالقطع فما منع منه القطع منع منه الشلل ، المقطوعة الخنصر أو البنصر من إحدى الأطراف ، فإذا لم تجز القطعاء فأولى أن لا تجزئ المقعدة ولا ذات الزمانة ، وأما المريضة فإن كان مرضها مرجوا كالحمى والصداع أجزأت وإن ماتت ، وإن كان مرضها غير مرجو كالسل والفالج لم تجز وإن صحت ، وأما عتق الشيخ والعجوز ، فعتقهما مجزئ ، ما لم ينتهيا إلى الهرم المضر بالعمل فلا يجزئ ، وسواء في الإجزاء أعتق ذات الضعة وغير ذات الضعة ، ويجزئ عتق الخصي والمجبوب لكمال عملهما ، وكذلك يجزئ عتق الخنثى ، فأما عتق الجذماء فإن كان الجذام في الأنف والأذن أو الشفة أجزأت ، وإن كان في أطراف البدن والرجلين لم يجز ؛ لأنه مضر بالعمل في الأطراف وغير مضر بالعمل في غير الأطراف ويجزئ عتق الأبرص والبرصاء : لأنه غير مضر بالثمل ، والله أعلم . وما جاز مع القطع جاز مع الشلل