[ ص: 343 ] باب جامع الأيمان
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وإذا كان في دار فحلف أن لا يسكنها أخذ في الخروج مكانه ، وإن تخلف ساعة يمكنه الخروج منها فلم يفعل ، حنث " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا ، فإن بادر بالخروج منها عقيب يمينه بر ولم يحنث ، وإن توقف عن الخروج مع قدرة عليه حنث ، سواء قل مقامه أو كثر ، وشرع في إخراج رجله ، أو لم يشرع ، وقال كان ساكنا في دار ، فحلف أن لا يسكنها مالك : إن أقام بعد يمينه يوما وليلة حنث ، وإن أقام أقل من يوم وليلة لم يحنث : لأنه لا ينطلق عليه اسم السكنى إلا باستكمال هذا الزمان ، وقال أبو حنيفة : إن أقام لنقل رحله وجمع متاعه لم يحنث ، وإن أقام لغير ذلك حنث ؛ لأنه بإخراج متاعه مفارق لحكم السكنى ، وقال زفر بن الهذيل : قد حنث بنفس اليمين ، ولا يبر أن يبادر بالخروج ؛ لأنه مقيم على السكنى قبل مفارقتها .
ودليلنا هو أن استدامة المقام فيها سكنى لاستصحاب ما تقدم من حاله ، فحنث لانطلاق اسم السكن عليه بخلاف ما قال مالك وأبو حنيفة ، وإذا بادر بالخروج فهو تارك ولا يكون ترك الفعل جاريا مجرى الفعل ؛ لأنهما ضدان ، فيبطل به قول زفر ، ثم يقال لمالك وأبي حنيفة : قد وافقتما أنه لو حلف لا أقيم في هذه الدار فلبث فيها بعد يمينه حنث ، كذلك إذا حلف لا يسكنها ؛ لأن المقام فيها سكنى والسكنى فيها مقام ، ويتحرر هذا الاستدلال قياسا فيقال : إن ما حنث به في المقام حنث به في السكنى ، قياسا على اليوم والليلة مع مالك وعلى من أمسك عن جميع رحله وقياسه مع أبي حنيفة .