الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إذا اشترى زيد طعاما انفرد به ، واشترى عمرو طعاما انفرد به ، وخلطاه فأكل منه الحالف ، ففي حنثه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : - وهو قول أبي سعيد الإصطخري - أنه لا يحنث بحال ، وإن أكل جميع الطعامين ؛ لأن اختلاط المحلوف عليه بغيره خارج في العرف عن اسم الانفراد ، فخرج عنه من حيث الأيمان ، حتى قال أبو سعيد الإصطخري : لو حلف لا يأكل جبنا فأكل خبزا وجبنا لم يحنث ، وزعم من نص قوله بأن الشافعي قد نص في الجامع الكبير للمزني : أنه لو حلف لا يأكل زيتا فأكل خبزا وزيتا لم يحنث ، وهذا المحكي عنه في الجامع الكبير سهو من حاكيه ، والموجود في الجامع الكبير للمزني عن الشافعي " أنه لو حلف لا آكل خبزا وجبنا ، فأكل خبزا وزيتا ، لم يحنث " ورد بهذا القول على مالك حيث حنثه بذلك ، فهذا وجه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : - وهو قول أبي إسحاق المروزي - أنه إذا اختلط الطعامان وكانا متساويين في القدر فأكل منهما أكثر من النصف حنثه ؛ لعلمنا أنه قد أكل مما اشتراه [ ص: 354 ] زيد ، وإن أكل أقل من النصف ، لم يحنث للاحتمال وجواز أن لا يكون قد أكل ما اشتراه زيد ؛ لأن الحنث لا يقع بالاحتمال ، والجواز .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : مذهب البصريين ويشبه أن يكون قول أبي علي بن أبي هريرة أنه إن كان الطعام مائعا ، كاللبن ، والعسل ، حنث بأكل قليله وكثيره ، لامتزاجه ، وكذلك الدقيق ؛ لأنه كالمانع في الامتزاج ، وإن كان متميزا مثل التمر ، والرطب ، لم يحنث ، حتى يأكل منه أكثر من النصف لدخول الاحتمال في المتميز ، وانتفائه عن الممتزج . وقد قال الشافعي : " لو حلف على تمرة أن لا يأكلها فوقعت في تمر كثير ، فأكله كله إلا تمرة ، لم يحنث " لجواز أن تكون الباقية هي التمرة المحلوف عليها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية