[ ص: 400 ] باب وغير ذلك من يعتق من مماليكه إذا حنث أو حلف بعتق عبد فباعه ثم اشتراه
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " من حلف بعتق ما يملك وله أمهات أولاد ومدبرون وأشقاص من عبيد عتقوا عليه إلا المكاتب إلا أن ينويه : لأن الظاهر أن المكاتب خارج من ملكه بمعنى وداخل فيه بمعنى ، وهو محول بينه وبين أخذ ماله واستخدامه وأرش الجناية عليه ولا زكاة عليه في ماله ولا زكاة الفطر في رقيقه ، وليس كذا أم ولده ولا مدبره " .
قال الماوردي : إذا حلف بعتق ما يملك ، فحنث أو قال : مماليكي أحرار ، فالحكم في عتق الحنث والمباشرة سواء ، فيعتق عليه كل من يملك رقه من عبد أو أمة ، صغير أو كبير ، وغير ذلك ؛ لأن جميعهم مماليك له ، ويعتق عليه أمهات أولاده ؛ لأنهن في ملكه ، ويجري عليهن أحكام رقه ، في استباحة الاستمتاع بهن ، واستخدامهن ، وملك أكسابهن ، والتزام نفقتهن ، وزكاة فطرهن ، وجواز تزويجهن ، وإجارتهن كالإماء . وإنما حرم بيعهن ، لما ثبت من حرمة الولادة ، ولا يمنع من بقاء رقهن ؛ لأنه يملك أرش الجناية عليهن ، فلذلك دخلن في جملة مماليكه ، فيعتقهن .
ويعتق عليه مدبروه لبقاء رقهم وجواز بيعهم ، وملك إكسابهم ، والتزام نفقتهم وتعجيل عتقهم ، وكذلك يعتق عليه المخارجون من عبيده ، والمعتقون بصفة لم تأت ؛ لأن جميعهم مماليك تجري عليهم أحكام رقه فيما لهم وعليهم .
وإذا كان له أشخاص من عبيد وإماء عتقوا عليه فيما ملكه منهم ، وعتق عليه باقيهم إن أيسر بقيمتهم ، ورق الباقي إن أعسر بهم .
وأما المكاتبون ، فإن كانت كتابتهم فاسدة عتقوا عليه ، وإن كانت صحيحة لم يعتقوا عليه إذا لم ينو عتقهم .
هذا هو المشهور من مذهبه ، وما نقله عنه المزني ، وروى الربيع مثله . ثم قال الربيع بعد أن روى عنه : إنهم لا يعتقون ، وحفظي عن الشافعي أن المكاتب يعتق إذا حلف بعتق رقيقه .
[ ص: 401 ] فاختلف أصحابنا فيما حكاه من هذا ، فامتنع أبو علي بن أبي هريرة مع طائفة تقدمته من تخريجه ، لأنه يخالف منصوص الشافعي في جميع كتبه ، وأثبته أبو إسحاق المروزي مع طائفة تقدمته ، وخرجوا على قولين : عتق المكاتب
أحدهما : وهو ما اختص الربيع بنقله أنه يعتق عليه لأمرين :
أحدهما : جريان أحكام الرق عليه بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : . المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
والثاني : أنه لما نفذ فيه عتق الخصوص إذا عينه نفذ فيه عتق العموم إذا أطلقه .
والقول الثاني : وهو المشهور الذي اتفق أصحابه على نقله ، ونص عليه في كتبه :
أن المكاتب لا يعتق عليه في العموم إذا لم ينوه ، لأمرين :
أحدهما : أن الكتابة كالبيع ، لأنها إزالة ملك بعوض ، فانتقل بها الملك في الظاهر ، وإن جاز عوده إلى ملكه بالعجز في الباطن ، فصار كالمبيع على مفلس قد انتقل الملك ، وإن جاز استرجاعه بالفلس ، وما زال به الملك لم يدخل في عموم الملك .
والثاني : أنه لما زال عن السيد ملك منافعه وكسبه ، وأروش جناياته ، وسقطت عنه نفقته وفطرته زال عنه ملك رقبته ، فلم يدخل في عموم ملكه .
فإن قيل : الاستدلال بهذين معلول ، لأنه لو أعتقه عتق ، ولا ينفذ عتقه إلا في ملك .
قيل : إنما عتق ، لأن عتقه إبراء ، وهو يعتق بالإبراء ، كما يعتق بالأداء ، فهذا تمام لذلك العتق الأول ، وليس بابتداء عتق في الرق .
فإن قيل : فإذا جعلتم عتقه إبراء يعتق به في الخصوص : لزمكم أن تجعلوه إبراء يعتق به في العموم .
قلنا : لا يلزم لوقوع الفرق بين من عتقه في الخصوص حيث جعلناه إبراء عتقه في العموم ، وهو أنه لما لم ينفذ صريح عتقه في الخصوص في غيره ، يعني به في غير المكاتب ، صار صريحا في إبرائه ، فعتق به .
ولما نفذ صريح العتق في العموم في غيره ، صار كتابة في إبرائه ، فلم يبرأ إلا أن [ ص: 402 ] يقترن بالكتابة نية ، وجعلناه صريحا في الخصوص لا يعتبر فيه النية ، وكتابة في العموم تعتبر فيه النية ، فوقع الفرق بين الخصوص والعموم .
ولذلك قال الشافعي - رضي الله عنه - إلا أن ينويه ، فيصير بالنية حرا ، لأنه قد صار بالنية مبرأ فإن قيل : فقد دخلتم في فرقكم بين الخصوص والعموم في نفوذ العتق فيما أنكرتموه على أبي حنيفة - رضي الله عنه - في فرقه بين الخصوص والعموم في طلاق المختلعة حيث أوقع الطلاق عليها في الخصوص إذا قال لها : أنت طالق ، ولم يوقعه عليها في العموم إذا قال : كل نسائي طوالق ، فارتكبتم ما أنكرتموه على غيركم .
قيل : لا يدخل هذا الإلزام علينا ، لأن للطلاق وجها واحدا أوجب أن يستوي فيه حكم الخصوص والعموم ، ولعتق المكاتب وجهان فجاز أن يفترق فيها حكم العموم والخصوص .
فأما قول الشافعي : لأن الظاهر أن المكاتب خارج من ملكه بمعنى وداخل فيه بمعنى ، ففيه تأويلان :
أحدهما : خارج من ملكه بعقد الكتابة ، وداخل فيه بالعجز .
والثاني : خارج من ملكه ، لعدم تصرفه ، وداخل في ملكه لثبوت عجزه . والله أعلم .