فصل : والقسم الرابع : أن فيقول : لله علي أن أهدي هديا ، ففيه قولان : يطلق اسم الهدي ، ولا يقيده بجنس ولا نوع ،
أحدهما : وهو المنصوص عليه في كتاب الأم أنه يلزمه أن يهدي ما يجوز في الضحايا من الإبل والبقر والغنم خاصة ، ولا يجوز أن يهدي غيرهما حملا لإطلاق الهدي على ما قيده الشرع ، فعلى هذا في اعتبار شرط الضحايا من السن ، والسلامة وجهان ذكرناهما .
والوجه الثاني : نص عليه في الأمالي من الحج والأيمان والنذور يجوز أن يقتصر على هدي ما شاء من قليل ، وكثير يجوز في الضحايا من الإبل والبقر والغنم ، أو لا يجوز في الضحايا من الطعام والثياب ، وصنوف الأموال ، لأن اسم الهدي مشتق من الهدية التي لا تختص بنوع من الأموال ، وقد جاء الشرع بهدي ما قل قال الله تعالى : الكعبة هديا بالغ [ المائدة : 95 ] . وقد يهدي جزاء صيد عن عصفور وجرادة ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التبكير إلى الجمعة . ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة
قال الشافعي - رضي الله عنه - : " في هذا القول وعليه أن يهدي ما كان ولو بيضة أو تمرة ، أو قبضة من حنطة " ، واختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : أنه قاله على وجه المبالغة ، والمعتبر فيه أن يهدي أقل ما يكون ثمنا لمبيع ، أو مبيعا لثمن ، ولا تكون الثمرة الواحدة ثمنا ولا مبيعا ، اعتبارا بما ذكرناه في أقل الصداق .
والوجه الثاني : أنه قاله على وجه التحقيق في إجزاء هدي التمرة والبيضة ، والقبضة من الحنطة ، لأن الثمرة قد تكون هديا في جزاء جرادة .
قال الشافعي : وأستحب أن لا ينقص من المد ، لأنه أقل ما يواسى به ، وإن أجزأ ما دونه ، فأما إذا قال : " لله علي أن أهدي الهدي " فأدخل الألف واللام ، فقد كان أبو حامد الإسفراييني يقول : يلزمه أن يهدي ما يجوز في الضحايا قولا واحدا ، لأن الألف واللام يدخلان لجنس أو معهود ، فلما لم ينصرفا إلى عموم الجنس انصرفا إلى معهود الشرع ، وهو الضحايا وذهب سائر أصحابنا إلى استواء الحكم في الأمرين مع [ ص: 489 ] دخول الألف واللام وحذفهما ؛ لأن معهود الشرع فيه مختلف بما ذكرناه من الدليل .