الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل )

ومعنى كونه لا يجده : أن لا يباع ، أو يجده يباع وليس معه ثمن فاضل عن حوائجه الأصلية كما قلنا في سائر الأبدال في الطهارة والكفارات وغير ذلك ، بحيث لا يجب عليه قبوله هبة ، ويقدم على ثمنه قضاء دينه ، ونفقة طريقه ونحو ذلك . فإن بذل له عارية فينبغي أن لا يلزمه قبوله ، وإن أوجبنا عليه قبوله إعارة السترة في الصلاة ؛ فإن لبس النعل والإزار مدة الإحرام تؤثر فيه وتبليه ، ومثل ذلك لا يخلو عن منة بخلاف لبس الثوب مقدار الصلاة .

[ ص: 42 ] فإن غلب على ظنه أنه يجده بالثمن عند الإحرام : لم يلزمه حمله ، فإن وجده وإلا انتقل إلى البدل . وإن غلب على ظنه أنه لا يجده فهل عليه اشتراؤه من مكان قريب وبعيد ، وحمله إذا لم يشق . . . .

فإن فرط في ذلك . . . .

وأما العبد إذا كان سيده يقدر أن يلبسه إزارا ونعلا فهل يلزمه ذلك ؟ على روايتين ؛ إحداهما : لا يلزمه ذلك كالحر الفقير ؛ لأنه لا مال له ، قال : - في رواية الميموني في حديث عائشة وأنها كانت تلبس مماليكها التبابين - علله بأنهم مماليك .

والثانية : يلزمه ذلك ، قاله في رواية الأثرم .

ومثل هذا : إذا تمتع بإذنه هل يلزمه دم التمتع ؟ فيه وجهان .

فأما إن أحرم بدون إذن السيد ولم يحلله أو لم نمكنه من تحليله : فلا يلزمه لباسه بلا تردد ، كالدماء التي تجب بفعل العبد لا يلزم السيد منها شيء .

فإن وجده ولم يمكنه لبسه فقد قال أحمد - في رواية أبي داود فيمن لبس الخف وهو يجد النعل إلا أنه لا يمكنه لبسهما - يلبسه ويفتدي .

[ ص: 43 ] وهذا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنما رخص في لبسهما لمن لم يجد ، فإذا وجد انتفت هذه الرخصة ، وبقيت الرخصة للعذر ، وتلك لا بد فيهما من فدية .

وقال : . . . وهذا نوعان ؛ أن يضيق عن رجله بحيث لا يدخل في قدمه ، أو لصغره ، أو يكون الإزار ضيقا لا يستر عورته ونحو هذا ، فهذا بمنزلة من وجد ماء لا يتوضأ به ، أو رقبة لا يصح عتقها هو كالعادم . وكلام أحمد ليس هذا .

الثاني : أن يسع قدمه لكن لا يمكنه لبسها لمرض في قدمه ، أو لم يعتد المشي فيها ، فإذا مشى تعثر وانقطعت ونحو ذلك ، أو يصيب أصابعه شوك أو حصى ، أو لا يقدر أن يشرع في السير فيخاف فوات الرفقة ، أو يكون عليه عمل لا يمكنه أن يعمله ووجه . . . ما روى عبد الرحمن بن القاسم ، عن عائشة : "أنها حجت ومعها غلمان لها ، فكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء فتأمرهم أن يتخذوا التبابين فيلبسوها وهم محرمون " .

وفي رواية عن القاسم قال : " رأيت عائشة لا ترى على المحرم بأسا أن يلبس التبان " .

[ ص: 44 ] وعن عطاء : "أنه كان يرخص للمحرم في الخف في الدلجة " : وهذا يقتضي أنه إذا احتاج إلى السراويل والتبان ونحوهما للستر لكونه لا يستره الإزار ، أو احتاج إلى الخف ونحوه لكونه لا يستطيع المشي في النعل : لا فدية عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية