الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل )

وكما يحرم قتل الصيد تحرم الإعانة عليه بدلالة أو إشارة أو إعارة آلة لصيده أو لذبحه .

وإذا أعان على قتله بدلالة أو إشارة أو إعارة آلة ونحو ذلك ، فهو كما لو شرك في قتله ، فإن كان المعان حلالا فالجزاء جميعه على المحرم ، وإن كان حراما اشتركا فيه ; لما تقدم في حديث أبي قتادة أنه قال : " فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني ، وأحبوا لو أني أبصرته ، والتفت فأبصرته ، فقمت إلى الفرس فأسرجته ، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح ، فقالوا : والله لا نعينك عليه ، فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت " لفظ البخاري ، وفي رواية لهما : " فجعل بعضهم يضحك إلى بعض ، فنظرت فرأيته ، فحملت عليه الفرس فطعنته ، فأتيته [ ص: 183 ] فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني " مسلم ، وفي رواية : " فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش - يعني فوقع سوطه - فقالوا : لا نعينك عليه بشيء ، إنا محرمون ، فتناولته فأخذته " هذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم : " فإذا حمار وحش ، فأسرجت فرسي وأخذت رمحي ثم ركبت فسقط مني السوط ، فقلت لأصحابي وكانوا محرمين : ناولوني السوط ، فقالوا : والله لا نعينك عليه بشيء ، فنزلت فتناولته " وفي رواية : " فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه ، فأبوا عليه ، فأخذه ثم شد على الحمار فقتله " وفي الحديث : " فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله إنا كنا أحرمنا ، وكان أبو قتادة لم يحرم ، فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا ، فنزلنا فأكلنا من لحمها فقلنا : أنأكل لحم صيد ونحن محرمون ؟ فحملنا ما بقي من لحمها فقال : " هل معكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ، قالوا : لا ، قال : فكلوا ما بقي من لحمها " وفي لفظ لمسلم : " هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا " وللبخاري : " منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا ما بقي من لحمها " وللنسائي : " هل أشرتم أو أعنتم ؟ قالوا : لا ، قال : فكلوا " .

[ ص: 184 ] فقد امتنع القوم من دلالته بكلام أو إشارة ، ومن مناولته سوطه أو رمحه وسموا ذلك إعانة ، وقالوا : لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون ، وما ذاك إلا أنه قد استقر عندهم أن المحرم لا يعين على قتل الصيد بشيء .

قال القاضي : ولا خلاف أن الإعانة توجب الجزاء .

والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها " فجعل ذلك بمثابة الإعانة على القتل ، ولهذا قال : " هل أشرتم أو أعنتم " ومعلوم أن الإعانة على القتل توجب الجزاء والضمان فكذلك الإشارة .

وأيضا ما روي عن عكرمة عن علي وابن عباس في محرم أشار إلى بيض نعام ، فجعل عليه الجزاء .

وعن مجاهد قال : " أتى رجل ابن عباس فقال : إني أشرت بظبي وأنا محرم ، قال : فضمنه " .

وعن .... أن رجلا أتى عمر بن الخطاب ، فقال له : " يا أمير المؤمنين إني أشرت إلى ظبي وأنا محرم فقتله صاحبي ، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ما ترى ، قال : أرى عليه شاة ، قال : فأنا أرى ذلك " رواهن النجاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية