الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 268 ] الفصل الثالث : أن إحرامها في وجهها ، فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع وهذا إجماع .

قال أصحابنا : وستر رأسها واجب ، فقد اجتمع في حقها ستر الرأس ، ووجوب كشف الوجه ، ولا يمكن تكميل أحدهما إلا بتفويت تكميل الآخر . فيجب أن تكمل الرأس ؛ لأنه أهم كما وجب أن تستر سائر البدن ولا تتجرد ؛ ولأن المحظور أن تستر الوجه على الوجه المعتاد كما سيأتي . وستر شيء يسير منه تبعا للرأس لا يعد سترا للوجه ، فأما في غير الإحرام : فلا بأس أن تطوف منتقبة نص عليه .

فإن احتاجت إلى ستر الوجه ، مثل أن يمر بها الرجال وتخاف أن يروا وجهها ، فإنها ترسل من فوق رأسها على وجهها ثوبا ، نص عليه . قال أبو عبد الله - في رواية أبي طالب - : وإحرام الرجل في رأسه ، ومن نام فوجد رأسه مغطى فلا بأس والأذنان من الرأس . يخمر أسفل من الأذنين وأسفل من الأنف .

والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تخمروا رأسه " . فاذهب إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " وإحرام المرأة في وجهها لا تنتقب ، وتتبرقع ، وتسدل الثوب على [ ص: 269 ] رأسها من فوق ، وتلبس من خزها ومعصفرها وحليها في إحرامها " مثل قول عائشة - رضي الله عنها - وذلك لما روت عائشة قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات ، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه . رواه أحمد - رضي الله عنه - ، وأبو داود وابن ماجه .

ولو فعلت ذلك لغير حاجة جاز ، على ما ذكره أحمد - رضي الله عنه - ، قال ابن أبي موسى : إن احتاجت سدلت لكن عليها أن تجافي ما تسدله عن البشرة ، فإن أصاب البشرة باختيارها افتدت ، وإن وقع الثوب على البشرة بغير اختيارها : رفعته بسرعة ولا فدية عليها ، كما لو غطى ....

فإن لم ترفعه عن وجهها مع القدرة عليه افتدت ، هذا قول القاضي وأصحابه وأكثر متأخري أصحابنا ، وحملوا مطلق كلام أحمد عليه لأنه قال : إحرام الرجل [ ص: 270 ] في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها ، قالوا : لأن وجه المرأة كرأس الرجل بدليل ما روي ....

ورأس الرجل لا يجوز تخميره بمخيط ولا غير مخيط فكذلك وجه المرأة . لكن موجب هذا القياس أن لا تخمر وجهها بشيء منفصل عنه كرأس الرجل وهذا غير صحيح .

والذي يدل عليه كلام أحمد وقدماء أصحابه : جواز الإسبال سواء وقع على البشرة أو لم يقع ؛ لأن أحمد قال : تسدل الثوب ، وقال ابن أبي موسى : إحرامها في وجهها فلا تغطيه ولا تتبرقع ، فإن احتاجت سدلت على وجهها ؛ لأن عائشة ذكرت أنهن كن يدلين جلابيبهن على وجوههن من رؤوسهن ، ولم تذكر مجافاتها . فالأصل عدمه ؛ لا سيما وهو لم يذكر ، مع أن الحاجة والظاهر أنه لم يفعل ؛ لأن الجلباب متى أرسل مس ببشرة الوجه ؛ ولأن في مجافاته مشقة شديدة ، والحاجة إلى ستر الوجه عامة . وكل ما احتيج إليه لحاجة عامة : أبيح مطلقا كلبس السراويل والخف . فعلى هذا التعليل إن باشر لغير حاجة الستر ....

ولأن وجه المرأة كبدن الرجل وكيد المرأة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين . ولم ينهها عن تخمير الوجه مطلقا . فمن ادعى تحريم تخميره مطلقا : فعليه الدليل ، بل تخصيص النهي بالنقاب ، وقرانه بالقفاز دليل على أنه إنما نهاها عما صنع لستر الوجه كالقفاز المصنوع لستر اليد ، والقميص المصنوع لستر البدن .

[ ص: 271 ] فعلى هذا : يجوز أن تخمره بالثوب من أسفل ومن فوق ، ما لم يكن مصنوعا على وجه يثبت على الوجه ، وأن تخمره بالملحفة وقت النوم ، ورأس الرجل بخلاف هذا كله . وقال ابن أبي موسى : ومتى غطت وجهها أو تبرقعت : افتدت .

التالي السابق


الخدمات العلمية