مسألة : ( والمحصر يلزمه دم ، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام ) .
وجملة ذلك : أن
nindex.php?page=treesubj&link=3896_3867_3871_3890المحرم بالحج إذا صده عدو عن البيت ، ولم يكن له طريق آخر يذهب فيه ، أو صد عن دخول الحرم : فإنه يجوز له التحلل ويرجع لقوله
[ ص: 368 ] تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )
nindex.php?page=treesubj&link=3493_3883والتحلل لا يكون إلا بنية الإحلال والخروج من الإحرام . فلو حلق ، أو ذبح ، أو فعل شيئا من المحظورات غير ناو للتحلل : لم يصر حلالا ، بخلاف ما لو فعل ذلك بعد إتمام النسك ؛ لأنه إذا تم نسكه صار حلالا بالشرع حتى لو نوى دوام الإحرام لم يصح ، كالصيام إذا غربت الشمس ؛ والمصلي إذا سلم .
وإذا لم يتم : فهو مخير بين الإتمام والإحلال كالمريض الصائم والمصلي الذي يجوز له قطع الصلاة . لا يخرج من العبادة إلا بما ينافيها من النية ونحوها ، لكن المحرم لا يفسد إحرامه إلا بالوطء ولا بد من .. . .
وليس له أن يتحلل حتى ينحر هديا إن أمكنه ؛ لأن الله يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) فأمر بإتمام الحج والعمرة وجعل ما استيسر من الهدي في حق المحصر قائما مقام الإتمام .
وهذا يدل على وجوب الهدي من وجوه ؛ أحدها : أن التقدير : فإن أحصرتم فعليكم ما استيسر من الهدي ، أو ففرضكم ما استيسر فهو خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف ، ترك ذكر المحذوف لدلالة سياق الكلام عليه ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) ، وكما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) .
الثاني : أنه أمر بالإتمام وجعل الهدي في حق المحصر قائما مقام الإتمام . والإتمام واجب فما قام مقامه يكون واجبا ؛ ولهذا لا يجوز له التحلل حتى ينحر
[ ص: 369 ] الهدي ؛ لأنه بدل عن تمام النسك . ولا يجوز له التحلل حتى يتم النسك .
الثالث : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) ، وذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=3866_3869_3896الإحصار المطلق هو الذي يتعذر معه الوصول إلى البيت ، وهذا يوجب الهدي لا محالة .
الرابع : أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) وهذا عام .. . فإن أراد التحلل قبل النحر : لم يكن له ذلك . حتى لو رفض إحرامه وفعل شيئا من المحظورات فهو باق على إحرامه .
قال أصحابنا : فإن تحلل قبل الهدي فعليه دم لأجل إحلاله .
وقال
أبو الخطاب : وإن
nindex.php?page=treesubj&link=3883_3493نوى التحلل قبل الهدي والصيام ورفض الإحرام : لزمه دم وهو على إحرامه . ومعناه : إذا كان الرفض بالحلق ونحوه . فأما إن تعددت المحظورات .. . .
وإذا نحر الهدي : صار حلالا بمجرد ذلك مع نية الإحلال في إحدى الروايتين اختارها القاضي . وهذا ينبني على أن الحلاق ليس بواجب على المحرم المتم . فعلى المحصر أولى ، وينبني أيضا على أن الحلق .. . .
[ ص: 370 ] قال القاضي : فعلى هذا يحل من إحرامه بأدنى ما يحظره الإحرام من طيب ، أو غيره ، والأشبه : أنه لا يحتاج إلى ذلك بل بنفس الذبح .
والرواية الثانية : عليه أن يحلق رأسه ؛ لأن الحلاق واجب ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حلقوا رءوسهم في عمرة الحديبية .
مَسْأَلَةٌ : ( وَالْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ دَمٌ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ) .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3896_3867_3871_3890الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِذَا صَدَّهُ عَدُوٌّ عَنِ الْبَيْتِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ يَذْهَبُ فِيهِ ، أَوْ صُدَّ عَنْ دُخُولِ الْحَرَمِ : فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ وَيَرْجِعُ لِقَوْلِهِ
[ ص: 368 ] تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )
nindex.php?page=treesubj&link=3493_3883وَالتَّحَلُّلُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنِيَّةِ الْإِحْلَالِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْإِحْرَامِ . فَلَوْ حَلَقَ ، أَوْ ذَبَحَ ، أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ غَيْرَ نَاوٍ لِلتَّحَلُّلِ : لَمْ يَصِرْ حَلَالًا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ إِتْمَامِ النُّسُكِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَمَّ نُسُكُهُ صَارَ حَلَالًا بِالشَّرْعِ حَتَّى لَوْ نَوَى دَوَامَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ ، كَالصِّيَامِ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ؛ وَالْمُصَلِّي إِذَا سَلَّمَ .
وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ : فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَالْإِحْلَالِ كَالْمَرِيضِ الصَّائِمِ وَالْمُصَلِّي الَّذِي يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ . لَا يَخْرُجُ مِنَ الْعِبَادَةِ إِلَّا بِمَا يُنَافِيهَا مِنَ النِّيَّةِ وَنَحْوِهَا ، لَكِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَفْسُدُ إِحْرَامُهُ إِلَّا بِالْوَطْءِ وَلَا بُدَّ مِنْ .. . .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إِنْ أَمْكَنَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) فَأَمَرَ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَجَعَلَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ قَائِمًا مَقَامَ الْإِتْمَامِ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْهَدْيِ مِنْ وُجُوهٍ ؛ أَحَدُهَا : أَنَّ التَّقْدِيرَ : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، أَوْ فَفَرْضُكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ، تُرِكَ ذِكْرُ الْمَحْذُوفِ لِدَلَالَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ، وَكَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .
الثَّانِي : أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ وَجَعَلَ الْهَدْيَ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ قَائِمًا مَقَامَ الْإِتْمَامِ . وَالْإِتْمَامُ وَاجِبٌ فَمَا قَامَ مَقَامَهُ يَكُونُ وَاجِبًا ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَنْحَرَ
[ ص: 369 ] الْهَدْيَ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ تَمَامِ النُّسُكِ . وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يُتِمَّ النُّسُكَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ، وَذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3866_3869_3896الْإِحْصَارَ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوُصُولُ إِلَى الْبَيْتِ ، وَهَذَا يُوجِبُ الْهَدْيَ لَا مَحَالَةَ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وَهَذَا عَامٌّ .. . فَإِنْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ قَبْلَ النَّحْرِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ . حَتَّى لَوْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ وَفَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إِحْرَامِهِ .
قَالَ أَصْحَابُنَا : فَإِنْ تَحَلَّلَ قَبْلَ الْهَدْيِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَجْلِ إِحْلَالِهِ .
وَقَالَ
أَبُو الْخَطَّابِ : وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3883_3493نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ وَرَفَضَ الْإِحْرَامَ : لَزِمَهُ دَمٌ وَهُوَ عَلَى إِحْرَامِهِ . وَمَعْنَاهُ : إِذَا كَانَ الرَّفْضُ بِالْحَلْقِ وَنَحْوِهِ . فَأَمَّا إِنْ تَعَدَّدَتِ الْمَحْظُورَاتُ .. . .
وَإِذَا نَحَرَ الْهَدْيَ : صَارَ حَلَالًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مَعَ نِيَّةِ الْإِحْلَالِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا الْقَاضِي . وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحِلَاقَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُتِمِّ . فَعَلَى الْمُحْصَرِ أَوْلَى ، وَيَنْبَنِي أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ .. . .
[ ص: 370 ] قَالَ الْقَاضِي : فَعَلَى هَذَا يَحِلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ بِأَدْنَى مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ طِيبٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، وَالْأَشْبَهُ : أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ بَلْ بِنَفْسِ الذَّبْحِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ ؛ لِأَنَّ الْحِلَاقَ وَاجِبٌ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ حَلَقُوا رُءُوسَهُمْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ .