الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإن اشتركا في مكيل ، أو موزون ، أو معدود متفق في المقدار والصفة ، فإن لم يخلطاه ; فليسا بشريكين ، ولكل واحد منهما متاعه له ربحه ، وعليه وضيعته ) ; لأن هذه الأشياء بمنزلة العروض ، وتستحق أعيانها بالعقد ، وأول التصرف فيها بعد الشركة يكون بيعا لا شراء ، فكانت كالعروض : لا تجوز الشركة بها ، وإن خلطاه فهو بينهما ، وما ربحا فيه فلهما ، وما وضعا فيه فعليهما ، وهذا ظاهر ; لأن الخلط حصل بفعلهما ، فالمخلوط يكون مشتركا بينهما على قدر ملكهما ، وقد كان ملكهما سواء ; فالربح والوضيعة بعد البيع يكون بينهما على ذلك . ولم يذكر في الكتاب أن الشركة بينهما بعد الخلط تكون شركة ملك ، أو شركة عقد . وذكر في النوادر أن على قول أبي يوسف رحمه الله الشركة بينهما شركة ملك . وعند محمد رحمه الله تكون شركة عقد .

وفائدة هذا الخلاف فيهما أنهما إذا اشترطا من الربح لأحدهما زيادة على نصيبه : " عند أبي يوسف رحمه الله " لا يستحق ذلك ; بل لكل واحد منهما من الربح بقدر ملكه ، " وعند محمد " : الربح بينهما على ما اشترطا محمد يقول : المكيل والموزون عرض من وجه ، ثمن من وجه . ألا ترى أن الشراء بهما دينا في الذمة صحيح ; فكان ثمنا ، وأن بيع عينهما صحيح ; فكانت مبيعة . وما تردد بين الأصلين يوفر حظه عليهما . فلشبههما بالعروض قلنا : لا تجوز الشركة بهما قبل الخلط ، ولشبههما بالأثمان قلنا : تجوز الشركة بهما بعد الخلط ; وهذا لأن باعتبار الشبهين تضعف [ ص: 162 ] إضافة عقد الشركة إليهما ، فيتوقف ثبوتها على ما يقويها ، وهو الخلط ; لأن بالخلط تثبت شركة الملك - لا محالة - فيتأكد به شركة العقد - لا محالة - . وأبو يوسف رحمه الله يقول : ما يصلح أن يكون رأس مال في الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدم الخلط - كالنقود - ; فكذلك ما لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدم الخلط ; وهذا لأن قبل الخلط إنما يجوز شركة العقد بها ; لأنها متعينة ، فتعين رأس المال لا بد منه في عقد الشركة ، وأعيانها مبيعة ، وأول التصرف بها يكون بيعا ، وهذا المعنى موجود بعد الخلط ، بل يزداد تقررا بالخلط ; لأن الخلط لا يتقرر إلا في معين ، والمخلوط المشترك لا يكون إلا معينا ; فتقرر المعنى المفسد لا يكون مصححا للعقد . والذي يقال لمحمد : إن تحصيل رأس المال عند القسمة هنا ممكن ; لأنها من ذوات الأمثال يشكل بما قبل الخلط ، فإن هذا المعنى موجود فيه ، ومع ذلك لا يثبت بينهما شركة العقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية