الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما التمانع الذي قدروه- أعني المتكلمين- فذاك تمانع الإرادتين، فهذا لا يكون إلا مفروضا، لا يمكن أن يكون موجودا، فلا يتصور صدور العالم عن ربين متمانعين، بل المتمانعان لا يفعلان شيئا.

وظنهم أن هذه الآية هي دليل التمانع غلط عظيم، فإن التمانع لا يقدر في فعل موجود أصلا، وقولهم: لو قدرنا ربين لكان إذا أراد أحدهما تحريك جسم، وأراد الآخر تسكينه، إما أن ينفذ مرادهما، فيجتمع الضدان، أو لا ينفذ مرادهما، فيكونا عاجزين، أو ينفذ مراد أحدهما، فهو الرب القادر والآخر مربوب عاجز لا يدل على امتناع الاشتراك فيما وجد، وإنما يدل على أن المتمانعين لا يفعلان شيئا ما داما متمانعين، إذ حينئذ يلزم اجتماع الضدين أو عجز الربين، والعاجز لا يفعل، لكن ليس فيه ما يدل على أنهما إذا لم يتمانعا بل تعاونا أنهما لا يفعلان، فمن أين يدل هذا على أن الفعل الموجود لا يكون عن اثنين؟

لكن دلوا به من وجه آخر، وهو أنهما لو وجدا لتمانعا في الفعل، فكان لا يوجد، وقد وجد، فلم يتمانعا، فلم يوجدا، فاستدلوا بوجود الفعل على انتفاء التمانع. والتمانع إما أن يكون لازما لوجودهما أو ممكنا، فإذا قدر لم يلزم محال، أو لا يكون ممكنا، فيكون كل منهما غير قادر على منع الآخر من مراده، والعاجز لا يكون ربا، فثبت عجز [ ص: 98 ] كل منهما إذا لم يقدر على منع الآخر.

وهذا بعينه هو العجز حال التعاون إذ كان كل منهما عاجزا عن الفعل وحده، فظهر بما ذكرناه أن دليل التمانع إنما يصح إذا كان التمانع لازما لهما أو جائزا عليهما، وأما إذا قدر وجوب اتحاد الإرادتين، كان هو الدليل الأول المذكور في امتناع الفعل الواحد من فاعلين، ولزوم العجز للمتعاونين، لكن ذاك عجز عن الاستقلال بالفعل، وهذا عجز عن منع الآخر منه.

وأيضا فإن المتعاونين لأنه لا يتميز مفعول أحدهما عن مفعول الآخر، فلا يكون الشيء الواحد الموجود في العالم واحدا فعل أحدهما.

ومعلوم أن العالم يتميز فيه هذا عن هذا، يدل عليه قوله: إذا لذهب كل إله بما خلق ، ولهذا قال الثنوية: بأن مفعول النور ليس هو مفعول الظلمة، بل زعموا باختلاط المفعولين وامتزاجهما مع التباين، كما زعم من زعم من الثنوية بأن نفس الأصلين امتزجا واختلطا ثم تميزا، فلم يقل أحد من العقلاء: إن المفعول الواحد صدر عن اثنين، وهذا توحيد الربوبية، وهو متفق عليه بين العقلاء، ولم يكن هو المقصود بالذكر ولا الآية أنزلت لتقريره، كما يظنه من يظنه من المتكلمين، وإنما هي لتوحيد الإلهية المستلزم لتوحيد الربوبية، وهو الذي قصدناه في هذا الموضع. [ ص: 99 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية