73 -
من .
حرف يأتي لبضعة عشر معنى :
الأول
ابتداء الغاية ، إذا كان في مقابلتها إلى التي للانتهاء . وذلك إما في اللفظ ، نحو سرت من
البصرة إلى
الكوفة ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ( الإسراء : 1 ) .
وإما في المعنى ، نحو : زيد أفضل من عمرو ، لأن معناه زيادة الفضل على عمرو ، وانتهاؤه في الزيادة إلى زيد . ويكون في المكان اتفاقا ، نحو : من المسجد الحرام . وما نزل منزلته ، نحو من فلان ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان ( النمل : 30 ) وقولك : ضربت من الصغير إلى الكبير ، إذا أردت البداءة من الصغير والنهاية بالكبير . وفي الزمان عند الكوفيين كقوله تعالى : من أول يوم . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4لله الأمر من قبل ومن بعد ( الروم : 4 ) فإن قبل وبعد ظرفا زمان .
وتأوله مخالفوهم على حذف مضاف ، أي من تأسيس أول يوم ، فـ " من " داخلة في التقدير على التأسيس ، وهو مصدر ، وأما قبل وبعد فليستا ظرفين في الأصل ، وإنما هما صفتان .
الثاني
الغاية ، وهي التي تدخل على فعل هو محل لابتداء الغاية وانتهائه معا نحو :
[ ص: 356 ] أخذت من التابوت ، فالتابوت محل ابتداء الأخذ وانتهائه ، وكذلك أخذته من زيد ، فزيد محل لابتداء الأخذ وانتهائه كذلك . قاله
الصفار . وغاير بينه وبين ما قبله ، قال : وزعم بعضهم أنها تكون لانتهاء الغاية ، نحو قولك : رأيت الهلال من داري من خلل السحاب ، فابتداء الرؤية وقع من الدار ، وانتهاؤها من خلل السحاب ، وكذلك شممت الريحان من داري من الطريق ، فابتداء الشم من الدار وانتهاؤه إلى الطريق .
قال : وهذا لا حجة فيه ، بل هما لابتداء الغاية ، فالأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل ، والثانية لابتداء الغاية في حق المفعول ، ونظيره كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح إلى
عمر بالشام ، وأبو عبيدة لم يكن وقت كتبه إلى
عمر بالشام ، بل الذي كان في
الشام عمر ، فقوله
بالشام ظرف للفعل بالنسبة إلى المفعول .
قال : وزعم
ابن الطراوة أنها إذا كانت لابتداء الغاية في الزمان لزمها إلى الانتهاء فأجاز : سرت من يوم الجمعة إلى يوم الأحد ، لأنك لو لم تذكر لم يدر إلى أين انتهى السير .
قال
الصفار : وهذا الذي قاله غير محفوظ من كلامهم ، وإذا أرادت العرب هذا أتت فيه بمذ ومنذ ويكون الانتهاء إلى زمن الإخبار .
الثالث :
التبعيض ، ولها علامتان أن يقع البعض موقعها وأن يعم ما قبلها ما بعدها إذا حذفت كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=92حتى تنفقوا مما تحبون ( آل عمران : 92 ) ولهذا في مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : بعض ما تحبون . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253منهم من كلم الله ( البقرة : 253 ) .
[ ص: 357 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37إني أسكنت من ذريتي ( إبراهيم : 37 ) فإنه كان نزل ببعض ذريته .
الرابع :
بيان الجنس . وقيل : إنها لا تنفك عنه مطلقا ، حكاه
التراس ، ولها علامتان أن يصح وضع الذي موضعها ، وأن يصح وقوعها صفة لما قبلها .
وقيل : هي أن تذكر شيئا تحته أجناس ، والمراد أحدها ، فإذا أردت واحدا منها بينته ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( الحج : 30 ) فالرجس يشمل الأوثان وغيرها ، فلما اقتصر عليه لم يعلم المراد ، فلما صرح بذكر الأوثان علم أنها المراد من الجنس ، وقرنت بمن للبيان ، فلذلك قيل : إنها للجنس ، وأما اجتناب غيرها فمستفاد من دليل آخر ، والتقدير : واجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ، أي اجتنبوا الرجس الوثني ، فهي راجعة إلى معنى الصفة .
وهي بعكس التي للتبعيض ، فإن تلك يكون ما قبلها بعضا مما بعدها . فإذا قلت : أخذت درهما من الدراهم كان الدرهم بعض الدراهم . وهذه ما بعدها بعض مما قبلها ، ألا ترى أن الأوثان بعض الرجس . ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ( النور : 55 ) أي الذين هم أنتم ، لأن الخطاب للمؤمنين ، فلهذا لم يتصور فيها التبعيض .
وقد اجتمعت المعاني الثلاثة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43وينزل من السماء من جبال فيها من برد ( النور : 43 ) فـ " من " الأولى لابتداء الغاية ، أي ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية للتبعيض ، أي بعض جبال منها ، والثالثة لبيان الجنس ، لأن الجبال تكون بردا وغير برد .
ونظيرها :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ( البقرة : 105 ) فالأولى للبيان ، لأن الكافرين نوعان : كتابيون ومشركون ، والثانية مزيدة لدخولها على نكرة منفية ، والثالثة لابتداء الغاية .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ( الكهف : 31 )
[ ص: 358 ] فالأولى لابتداء الغاية ، والثانية لبيان الجنس ، أو زائدة بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وحلوا أساور من فضة ( الإنسان : 21 ) والثالثة لبيان الجنس أو التبعيض .
وقد أنكر القوم من متأخري المغاربة بيان الجنس ، وقالوا : هي في الآية الشريفة لابتداء الغاية ، لأن الرجس جامع للأوثان وغيرها ، فإذا قيل من الأوثان ، فمعناه الابتداء من هذا الصنف ، لأن الرجس ليس هو ذاتها ، فمن في هذه الآية كهي في : أخذته من التابوت .
وقيل : للتبعيض لأن الرجس منها هو عبادتها واختاره
ابن أبي الربيع ، ويؤيده قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=17والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ( الزمر : 17 ) .
وأما قوله : منكم فهي للتبعيض ، ويقدر الخطاب عاما للمؤمنين وغيرهم .
وأما قوله : ( من جبال ) فهو بدل من السماء ، لأن السماء مشتملة على جبال البرد ، فكأنه قال : وينزل من برد في السماء ، وهو من قبيل ما أعيد فيه العامل مع البدل ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75للذين استضعفوا لمن آمن منهم ( الأعراف : 75 ) .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31ويلبسون ثيابا خضرا من سندس ( الكهف : 31 ) ففي موضع الصفة ، فهي للتبعيض .
وكثيرا ما تقع بعد ما ومهما لإفراط إبهامهما ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2ما يفتح الله للناس من رحمة ( فاطر : 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106ما ننسخ من آية ( البقرة : 106 )
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=132مهما تأتنا به من آية ( الأعراف : 132 ) وهي ومخفوضها في موضع نصب على الحال .
وقد تقع بعد غيرهما :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ( الكهف : 31 ) الشاهد في غير الأولى ، فإن تلك للابتداء . وقيل زائدة .
[ ص: 359 ] الخامس :
التعليل ويقدر بلام ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مما خطيئاتهم أغرقوا ( نوح : 25 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4أطعمهم من جوع ( قريش : 4 ) أي من أجل الجوع .
ورده الأبذي بأن الذي فهم منه العلة إنما هو لأجل المراد ، وإنما هي للابتداء ، أي ابتداء الإطعام من أجل الجوع .
السادس :
البدل من حيث العوض عنه ، فهو كالسبب في حصول العوض ، فكأنه منه أتى ، نحو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=60لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ( الزخرف : 60 ) ، لأن الملائكة لا تكون من الإنس . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ( التوبة : 38 ) أي بدلا من الآخرة ، ومحلها مع مجرورها النصب على الحال . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=116لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ( آل عمران : 116 ) أي بدل طاعة الله أو رحمة الله . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=42قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ( الأنبياء : 42 ) أي بدل الرحمن .
السابع :
بمعنى " على " ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=77ونصرناه من القوم ( الأنبياء : 77 ) أي على القوم ، وقيل : على التضمين أي منعناه منهم بالنصر .
الثامن :
بمعنى عن ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( الزمر : 22 )
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا ( الأنبياء : 97 ) وقيل : هي للابتداء فيهما .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4أطعمهم من جوع ( قريش : 4 ) فقد أشار
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه إلى أن من هنا تؤدي معنى عن . وقيل : هي بمنزلة اللام للعلة ، أي لأجل الجوع . وليس بشيء ، فإن
[ ص: 360 ] الذي فهم منه العلة إنما هو " أجل " لا " من " . واختار
الصفار أنها لابتداء الغاية . وكأنه قال : ابتداء فعلي لسبب كذا أي ابتداء الطعم من أجل الجوع ، فكان الجوع ابتداء وقوع سبب الجوع
التاسع :
بمعنى الباء ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45ينظرون من طرف خفي ( الشورى : 45 ) حكاه
البغوي عن
يونس . وقيل إنما قال : من طرف لأنه لا يصح عنه ، وإنما نظره ببعضها .
وجعل منه
ابن أبان nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11يحفظونه من أمر الله ( الرعد : 11 ) أي بأمر الله . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4من كل أمر سلام ( القدر : 4 - 5 ) .
العاشر
بمعنى " في " ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ( الجمعة : 9 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أروني ماذا خلقوا من الأرض ( فاطر : 40 ) . وقيل : لبيان الجنس .
الحادي عشر :
بمعنى " عند " ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=10لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله ( آل عمران : 10 ) قاله
أبو عبيدة ، وقيل إنها للبدل .
الثاني عشر :
بمعنى الفصل وهي الداخلة بين المتضادين ، نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220والله يعلم المفسد من المصلح ( البقرة : 220 )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179حتى يميز الخبيث من الطيب ( آل عمران : 179 ) .
[ ص: 361 ] الثالث عشر :
الزائدة ، ولها شرطان عند البصريين : أن تدخل على نكرة ، وأن يكون الكلام نفيا ، نحو ما كان من رجل . أو نهيا نحو لا تضرب من رجل ، أو استفهاما ، نحو : هل جاءك من رجل ؟
وأجرى بعضهم الشرط مجرى النفي ، نحو : إن قام رجل قام عمرو . وقال
الصفار : الصحيح المنع .
ولها في النفي معنيان :
أحدهما : أن تكون للتنصيص على العموم ، وهي الداخلة على ما لا يفيد العموم ، نحو : ما جاءني من رجل ، فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة ، فإذا دخلت من تعين نفي الجنس ، وعليه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وما من إله إلا إله واحد ( المائدة : 73 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( الأنعام : 59 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ( الملك : 3 ) .
وثانيهما : لتوكيد العموم وهي الداخلة على الصيغة المستعملة في العموم ، نحو ما جاءني من أحد ، أو من ديار ، لأنك لو أسقطت من لبقي العموم على حاله ، لأن أحدا لا يستعمل إلا للعموم في النفي .
وما ذكرناه من تغاير المعنيين خلاف ما نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه من تساويهما .
قال
الصفار : وهو الصحيح عندي وأنها مؤكدة في الموضعين ، فإنها لم تدخل على : " جاءني رجل " إلا وهو يراد به " ما جاءني أحد " لأنه قد ثبت فيها تأكيد الاستغراق مع أحد ، ولم يثبت لها الاستغراق ، فيحمل هذا عليه ، فلهذا كان مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أولى .
قال : وأشار إلى أن المؤكدة ترجع لمعنى التبعيض ، فإذا قلت : ما جاءني من رجل فكأنه قال : ما أتاني بعض هذا الجنس ولا كله ، وكذا ما أتاني من أحد ، أي بعض من الأحدين . انتهى .
[ ص: 362 ] وقال الأستاذ
أبو جعفر بن الزبير : نص الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه على أنها نص في العموم ، قال : فإذا قلت : ما أتاني رجل ، فإنه يحتمل ثلاثة معان .
أحدها : [ أن ] تريد ما أتاك من رجل في قوته ونفاذه ، بل أتاك الضعفاء .
الثاني : أن تريد أنه ما أتاك رجل واحد بل أكثر من واحد .
والثالث : أن تريد ما أتاك رجل واحد ، ولا أكثر من ذلك .
فإن قلت : ما أتاني من رجل ، كان نفيا لذلك كله ، قال : هذا معنى كلامه .
والحاصل أن من في سياق النفي تعم وتستغرق .
ويلتحق بالنفي الاستفهام ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3هل ترى من فطور ( الملك : 3 ) .
وجوز
الأخفش زيادتها في الإثبات ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271ويكفر عنكم من سيئاتكم ( البقرة : 271 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ( نوح : 4 ) والمراد الجميع ، بدليل :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إن الله يغفر الذنوب جميعا ( الزمر : 53 ) فوجب حمل الأول على الزيادة دفعا للتعارض .
وقد نوزع في ذلك بأنه إنما يقع التعارض لو كانتا في حق قبيل واحد ، وليس كذلك فإن الآية التي فيها " من " لقوم
نوح ، والأخرى لهذه الأمة .
فإن قيل : فإذا غفر للبعض كان البعض الآخر معاقبا عليه ، فلا يحصل كمال الترغيب في الإيمان ، إلا بغفران الجميع .
[ ص: 363 ] وأيضا فكيف يحسن التبعيض فيها مع أن الإسلام يجب ما قبله ، فيصح قول
الأخفش ، فالجواب من وجوه :
أحدها : أن المراد بغفران بعض الذنوب في الدنيا ، لأن إغراق قوم
نوح عذاب لهم ، وذلك إنما كان في الدنيا مضافا إلى عذاب الآخرة ، فلو آمنوا لغفر لهم من الذنوب ما استحقوا به الإغراق في الدنيا ، وأما غفران الذنب بالإيمان في الآخرة فمعلوم .
والثاني : أن الكافر إذا آمن فقد بقي عليه ذنوب وهي مظالم العباد ، فثبت التبعيض بالنسبة للكافر .
الثالث : أن قوله : " ذنوبكم " يشمل الماضية والمستقبلة ، فإن الإضافة تفيد العموم ، فقيل : " من " لتفيد أن المغفور الماضي ، وعدم إطماعهم في غفران المستقبل بمجرد الإسلام حتى يجتنبوا المنهيات .
وقيل : [ إنها ] لابتداء الغاية وهو حسن ، لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38يغفر لهم ما قد سلف ( الأنفال : 38 )
nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه يقدر في نحو ذلك مفعولا محذوفا ، أي يغفر لكم بعضا من ذنوبكم محافظة على معنى التبعيض .
وقيل : بل الحذف للتفخيم ، والتقدير : يغفر لكم من ذنوبكم ما لو كشف لكم عن كنهه لاستعظمتم ذلك ، والشيء إذا أرادوا تفخيمه أبهموه كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=78فغشيهم من اليم ما غشيهم ( طه : 78 ) أي أمر عظيم .
وقال
الصفار : من للتبعيض على بابها ، وذلك أن " غفر " تتعدى لمفعولين :
أحدهما : باللام ،
فالأخفش يجعل المفعول المصرح الذنوب وهو المفعول الثاني ، فتكون " من " زائدة ، ونحن نجعل المفعول محذوفا ، وقامت " من ذنوبكم "
[ ص: 364 ] مقامه ، أي جملة من ذنوبكم ، وذلك أن المغفور لهم بالإسلام ما اكتسبوه في حال الكفر لا في حال الإسلام ، والذي اكتسبوه في حال الكفر بعض ذنوبهم لا جميعها .
وأما قوله في آية الصدقة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271ويكفر عنكم من سيئاتكم ( البقرة : 271 ) فللتبعيض ، لأن أخذ الصدقة لا يمحو كل السيئات .
ومما احتج به
الأخفش أيضا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ( النور : 30 ) أي أبصارهم ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15ولهم فيها من كل الثمرات ( محمد : 15 ) أي كل الثمرات . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34ولقد جاءك من نبإ المرسلين ( الأنعام : 34 ) .
وهذا ضعيف أيضا ، بل هي في الأول للتبعيض ، لأن النظر قد يكون عن تعمد وعن غير تعمد ، والنهي إنما يقع على نظر العمد فقط ، ولهذا عطف عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30ويحفظوا فروجهم ( النور : 30 ) من غير إعادة " من " ، لأن حفظ الفروج واجب مطلقا ، ولأنه يمكن التحرز منه ، ولا يمكن في النظر لجواز وقوعه اتفاقا ، وقد يباح للخطبة وللتعليم ونحوهما .
وأما الثانية ، فإن الله تعالى وعد أهل الجنة أن يكون لهم فيها كل نوع من أجناس الثمار مقدار ما يحتاجون إليه وزيادة ، ولم يجعل جميع الذي خلقه الله من الثمار عندهم ، بل عند كل منهم من الثمرات ما يكفيه وزيادة على كفايته ، وليس المعنى على أن جميع الجنس عندهم حتى لم تبق معه بقية ، لأن في ذلك وصف ما عند الله بالتناهي .
وأما الثالثة : فللتبعيض بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك ( النساء : 164 ) .
[ ص: 365 ] ( لطيفة ) : إنها حيث وقعت في خطاب المؤمنين لم تذكر كقوله في سورة الصف :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( الآية : 10 ) إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يغفر لكم ذنوبكم ( الآية : 12 ) .
وقوله في سورة الأحزاب :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=70ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ( الآية : 70 ) إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يغفر لكم ذنوبكم ( الآية : 71 ) .
وقال في خطاب الكفار في سورة نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم ( الآية : 4 ) . وفي سورة الأحقاف :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=31ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ( الآية : 31 ) وما ذاك إلا للتفرقة بين الخطابين ، لئلا يسوى بين الفريقين في الوعد ، ولهذا إنه في سورة نوح والأحقاف وعدهم مغفرة بعض الذنوب بشرط الإيمان ، لا مطلقا ، وهو غفران ما بينه وبينهم ، لا مظالم العباد .
الرابع عشر :
الملابسة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=67المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( التوبة : 67 ) أي يلابس بعضهم بعضا ويواليه ، وليس المعنى على النسل والولادة ؛ لأنه قد يكون من نسل المنافق مؤمن وعكسه . ونظيره قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ( التوبة : 71 ) . وكذا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=34ذرية بعضها من بعض ( آل عمران : 34 ) . كما يتبرأ الكفار كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ( البقرة : 166 ) .
فأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض ( النساء : 25 ) أي بعضكم يلابس بعضا ويواليه في ظاهر الحكم ، من حيث يشملكم الإسلام .
73 -
مِنْ .
حَرْفٌ يَأْتِي لِبِضْعَةَ عَشَرَ مَعْنًى :
الْأَوَّلُ
ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ ، إِذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهَا إِلَى الَّتِي لِلِانْتِهَاءِ . وَذَلِكَ إِمَّا فِي اللَّفْظِ ، نَحْوَ سِرْتُ مِنَ
الْبَصْرَةِ إِلَى
الْكُوفَةِ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ( الْإِسْرَاءِ : 1 ) .
وَإِمَّا فِي الْمَعْنَى ، نَحْوُ : زَيْدٌ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ زِيَادَةُ الْفَضْلِ عَلَى عَمْرٍو ، وَانْتِهَاؤُهُ فِي الزِّيَادَةِ إِلَى زَيْدٍ . وَيَكُونُ فِي الْمَكَانِ اتِّفَاقًا ، نَحْوُ : مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . وَمَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ ، نَحْوَ مِنْ فُلَانٍ وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ ( النَّمْلِ : 30 ) وَقَوْلِكَ : ضَرَبْتُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ ، إِذَا أَرَدْتَ الْبِدَاءَةَ مِنَ الصَّغِيرِ وَالنِّهَايَةَ بِالْكَبِيرِ . وَفِي الزَّمَانِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ( الرُّومِ : 4 ) فَإِنَّ قَبْلُ وَبَعْدُ ظَرْفَا زَمَانٍ .
وَتَأَوَّلَهُ مُخَالِفُوهُمْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ مِنْ تَأْسِيسِ أَوَّلِ يَوْمٍ ، فَـ " مِنْ " دَاخِلَةٌ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى التَّأْسِيسِ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ ، وَأَمَّا قَبْلُ وَبَعْدُ فَلَيْسَتَا ظَرْفَيْنِ فِي الْأَصْلِ ، وَإِنَّمَا هُمَا صِفَتَانِ .
الثَّانِي
الْغَايَةُ ، وَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى فِعْلٍ هُوَ مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَانْتِهَائِهِ مَعًا نَحْوُ :
[ ص: 356 ] أَخَذْتُ مِنَ التَّابُوتِ ، فَالتَّابُوتُ مَحَلُّ ابْتِدَاءِ الْأَخْذِ وَانْتِهَائِهِ ، وَكَذَلِكَ أَخَذْتُهُ مِنْ زَيْدٍ ، فَزَيْدٌ مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْأَخْذِ وَانْتِهَائِهِ كَذَلِكَ . قَالَهُ
الصَّفَّارُ . وَغَايَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ ، قَالَ : وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تَكُونُ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ ، نَحْوَ قَوْلِكَ : رَأَيْتُ الْهِلَالَ مِنْ دَارِي مِنْ خَلَلِ السَّحَابِ ، فَابْتِدَاءُ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ مِنَ الدَّارِ ، وَانْتِهَاؤُهَا مِنْ خَلَلِ السَّحَابِ ، وَكَذَلِكَ شَمَمْتُ الرَّيْحَانَ مِنْ دَارِي مِنَ الطَّرِيقِ ، فَابْتِدَاءُ الشَّمِّ مِنَ الدَّارِ وَانْتِهَاؤُهُ إِلَى الطَّرِيقِ .
قَالَ : وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ، بَلْ هُمَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، فَالْأُولَى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي حَقِّ الْفَاعِلِ ، وَالثَّانِيَةُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي حَقِّ الْمَفْعُولِ ، وَنَظِيرُهُ كِتَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=5أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى
عُمَرَ بِالشَّامِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَتْبِهِ إِلَى
عُمَرَ بِالشَّامِ ، بَلِ الَّذِي كَانَ فِي
الشَّامِ عُمَرُ ، فَقَوْلُهُ
بِالشَّامِ ظَرْفٌ لِلْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَفْعُولِ .
قَالَ : وَزَعَمَ
ابْنُ الطَّرَاوَةِ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الزَّمَانِ لَزِمَهَا إِلَى الِانْتِهَاءِ فَأَجَازَ : سِرْتُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَى يَوْمِ الْأَحَدِ ، لِأَنَّكَ لَوْ لَمْ تَذْكُرْ لَمْ يُدْرَ إِلَى أَيْنَ انْتَهَى السَّيْرُ .
قَالَ
الصَّفَّارُ : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَإِذَا أَرَادَتِ الْعَرَبُ هَذَا أَتَتْ فِيهِ بِمُذْ وَمُنْذُ وَيَكُونُ الِانْتِهَاءُ إِلَى زَمَنِ الْإِخْبَارِ .
الثَّالِثُ :
التَّبْعِيضُ ، وَلَهَا عَلَامَتَانِ أَنْ يَقَعَ الْبَعْضُ مَوْقِعَهَا وَأَنْ يَعُمَّ مَا قَبْلَهَا مَا بَعْدَهَا إِذَا حُذِفَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=92حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ( آلِ عِمْرَانَ : 92 ) وَلِهَذَا فِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : بَعْضَ مَا تُحِبُّونَ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ( الْبَقَرَةِ : 253 ) .
[ ص: 357 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي ( إِبْرَاهِيمَ : 37 ) فَإِنَّهُ كَانَ نَزَلَ بِبَعْضِ ذُرِّيَّتِهِ .
الرَّابِعُ :
بَيَانُ الْجِنْسِ . وَقِيلَ : إِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ مُطْلَقًا ، حَكَاهُ
التَّرَّاسُ ، وَلَهَا عَلَامَتَانِ أَنْ يَصِحَّ وَضْعُ الَّذِي مَوْضِعَهَا ، وَأَنْ يَصِحَّ وُقُوعُهَا صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا .
وَقِيلَ : هِيَ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا تَحْتَهُ أَجْنَاسٌ ، وَالْمُرَادُ أَحَدُهَا ، فَإِذَا أَرَدْتَ وَاحِدًا مِنْهَا بَيَّنْتَهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ( الْحَجِّ : 30 ) فَالرِّجْسُ يَشْمَلُ الْأَوْثَانَ وَغَيْرَهَا ، فَلَمَّا اقْتُصِرَ عَلَيْهِ لَمْ يُعْلَمِ الْمُرَادُ ، فَلَمَّا صَرَّحَ بِذِكْرِ الْأَوْثَانِ عُلِمَ أَنَّهَا الْمُرَادُ مِنَ الْجِنْسِ ، وَقُرِنَتْ بِمِنْ لِلْبَيَانِ ، فَلِذَلِكَ قِيلَ : إِنَّهَا لِلْجِنْسِ ، وَأَمَّا اجْتِنَابُ غَيْرِهَا فَمُسْتَفَادٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ ، أَيِ اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الْوَثَنِيَّ ، فَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَعْنَى الصِّفَةِ .
وَهِيَ بِعَكْسِ الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ ، فَإِنَّ تِلْكَ يَكُونُ مَا قَبْلَهَا بَعْضًا مِمَّا بَعْدَهَا . فَإِذَا قُلْتَ : أَخَذْتُ دِرْهَمًا مِنَ الدَّرَاهِمِ كَانَ الدِّرْهَمُ بَعْضَ الدَّرَاهِمِ . وَهَذِهِ مَا بَعْدَهَا بَعْضٌ مِمَّا قَبْلَهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوْثَانَ بَعْضُ الرِّجْسِ . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ( النُّورِ : 55 ) أَيِ الَّذِينَ هُمْ أَنْتُمْ ، لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ ، فَلِهَذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهَا التَّبْعِيضُ .
وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ( النُّورِ : 43 ) فَـ " مِنَ " الْأُولَى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، أَيِ ابْتِدَاءِ الْإِنْزَالِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَالثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ ، أَيْ بَعْضِ جِبَالٍ مِنْهَا ، وَالثَّالِثَةُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ ، لِأَنَّ الْجِبَالَ تَكُونُ بَرَدًا وَغَيْرَ بَرَدٍ .
وَنَظِيرُهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=105مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ( الْبَقَرَةِ : 105 ) فَالْأُولَى لِلْبَيَانِ ، لِأَنَّ الْكَافِرِينَ نَوْعَانِ : كِتَابِيُّونَ وَمُشْرِكُونَ ، وَالثَّانِيَةُ مَزِيدَةٌ لِدُخُولِهَا عَلَى نَكِرَةٍ مَنْفِيَّةٍ ، وَالثَّالِثَةُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ( الْكَهْفِ : 31 )
[ ص: 358 ] فَالْأَوْلَى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، وَالثَّانِيَةُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ ، أَوْ زَائِدَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ ( الْإِنْسَانِ : 21 ) وَالثَّالِثَةُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ أَوِ التَّبْعِيضِ .
وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَوْمُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَغَارِبَةِ بَيَانَ الْجِنْسِ ، وَقَالُوا : هِيَ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، لِأَنَّ الرِّجْسَ جَامِعٌ لِلْأَوْثَانِ وَغَيْرِهَا ، فَإِذَا قِيلَ مِنَ الْأَوْثَانِ ، فَمَعْنَاهُ الِابْتِدَاءُ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ ، لِأَنَّ الرِّجْسَ لَيْسَ هُوَ ذَاتُهَا ، فَمِنْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَهِيَ فِي : أَخَذْتُهُ مِنَ التَّابُوتِ .
وَقِيلَ : لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ الرِّجْسَ مِنْهَا هُوَ عِبَادَتُهَا وَاخْتَارَهُ
ابْنُ أَبِي الرَّبِيعِ ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=17وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ( الزُّمَرِ : 17 ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : مِنْكُمْ فَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ ، وَيُقَدَّرُ الْخِطَابُ عَامًّا لِلْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( مِنْ جِبَالٍ ) فَهُوَ بَدَلٌ مِنَ السَّمَاءِ ، لِأَنَّ السَّمَاءَ مُشْتَمِلَةً عَلَى جِبَالِ الْبَرَدِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَيُنَزِّلُ مِنْ بَرَدٍ فِي السَّمَاءِ ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا أُعِيدَ فِيهِ الْعَامِلُ مَعَ الْبَدَلِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ( الْأَعْرَافِ : 75 ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ ( الْكَهْفِ : 31 ) فَفِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ ، فَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ .
وَكَثِيرًا مَا تَقَعُ بَعْدَ مَا وَمَهْمَا لِإِفْرَاطِ إِبْهَامِهِمَا ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=2مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ ( فَاطِرٍ : 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=106مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ( الْبَقَرَةِ : 106 )
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=132مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ ( الْأَعْرَافِ : 132 ) وَهِيَ وَمَخْفُوضُهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ .
وَقَدْ تَقَعُ بَعْدَ غَيْرِهِمَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=31يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ( الْكَهْفِ : 31 ) الشَّاهِدُ فِي غَيْرِ الْأُولَى ، فَإِنَّ تِلْكَ لِلِابْتِدَاءِ . وَقِيلَ زَائِدَةٌ .
[ ص: 359 ] الْخَامِسُ :
التَّعْلِيلُ وَيُقَدَّرُ بِلَامٍ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=25مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ( نُوحٍ : 25 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ( قُرَيْشٍ : 4 ) أَيْ مِنْ أَجْلِ الْجُوعِ .
وَرَدَّهُ الْأَبْذِيُّ بِأَنَّ الَّذِي فُهِمَ مِنْهُ الْعِلَّةُ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْمُرَادِ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلِابْتِدَاءِ ، أَيِ ابْتِدَاءِ الْإِطْعَامِ مِنْ أَجْلِ الْجُوعِ .
السَّادِسُ :
الْبَدَلُ مِنْ حَيْثُ الْعِوَضِ عَنْهُ ، فَهُوَ كَالسَّبَبِ فِي حُصُولِ الْعِوَضِ ، فَكَأَنَّهُ مِنْهُ أَتَى ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=60لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ( الزُّخْرُفِ : 60 ) ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَكُونُ مِنَ الْإِنْسِ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ( التَّوْبَةِ : 38 ) أَيْ بَدَلًا مِنَ الْآخِرَةِ ، وَمَحَلُّهَا مَعَ مَجْرُورِهَا النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=116لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ( آلِ عِمْرَانَ : 116 ) أَيْ بَدَلَ طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ رَحْمَةِ اللَّهِ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=42قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ( الْأَنْبِيَاءِ : 42 ) أَيْ بَدَلَ الرَّحْمَنِ .
السَّابِعُ :
بِمَعْنَى " عَلَى " ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=77وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ ( الْأَنْبِيَاءِ : 77 ) أَيْ عَلَى الْقَوْمِ ، وَقِيلَ : عَلَى التَّضْمِينِ أَيْ مَنَعْنَاهُ مِنْهُمْ بِالنَّصْرِ .
الثَّامِنُ :
بِمَعْنَى عَنْ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ( الزُّمَرِ : 22 )
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ( الْأَنْبِيَاءِ : 97 ) وَقِيلَ : هِيَ لِلِابْتِدَاءِ فِيهِمَا .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ( قُرَيْشٍ : 4 ) فَقَدْ أَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ إِلَى أَنَّ مِنْ هُنَا تُؤَدِّي مَعْنَى عَنْ . وَقِيلَ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ اللَّامِ لِلْعِلَّةِ ، أَيْ لِأَجْلِ الْجُوعِ . وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّ
[ ص: 360 ] الَّذِي فُهِمَ مِنْهُ الْعِلَّةُ إِنَّمَا هُوَ " أَجْلُ " لَا " مِنْ " . وَاخْتَارَ
الصَّفَّارُ أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ . وَكَأَنَّهُ قَالَ : ابْتِدَاءٌ فِعْلِيٌّ لِسَبَبِ كَذَا أَيِ ابْتِدَاءُ الطُّعْمِ مِنْ أَجْلِ الْجُوعِ ، فَكَانَ الْجُوعُ ابْتِدَاءَ وُقُوعِ سَبَبِ الْجُوعِ
التَّاسِعُ :
بِمَعْنَى الْبَاءِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ( الشُّورَى : 45 ) حَكَاهُ
الْبَغَوِيُّ عَنْ
يُونُسَ . وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ : مِنْ طَرْفٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا نَظَرُهُ بِبَعْضِهَا .
وَجَعَلَ مِنْهُ
ابْنُ أَبَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=11يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ( الرَّعْدِ : 11 ) أَيْ بِأَمْرِ اللَّهِ . وَقَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=4مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ ( الْقَدْرِ : 4 - 5 ) .
الْعَاشِرُ
بِمَعْنَى " فِي " ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( الْجُمُعَةِ : 9 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=40أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ( فَاطِرٍ : 40 ) . وَقِيلَ : لِبَيَانِ الْجِنْسِ .
الْحَادِي عَشَرَ :
بِمَعْنَى " عِنْدَ " ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=10لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ ( آلِ عِمْرَانَ : 10 ) قَالَهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ ، وَقِيلَ إِنَّهَا لِلْبَدَلِ .
الثَّانِي عَشَرَ :
بِمَعْنَى الْفَصْلِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ ، نَحْوُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ( الْبَقَرَةِ : 220 )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ( آلِ عِمْرَانَ : 179 ) .
[ ص: 361 ] الثَّالِثَ عَشَرَ :
الزَّائِدَةُ ، وَلَهَا شَرْطَانِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ : أَنْ تَدْخُلَ عَلَى نَكِرَةٍ ، وَأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ نَفْيًا ، نَحْوَ مَا كَانَ مِنْ رَجُلٍ . أَوْ نَهْيًا نَحْوَ لَا تَضْرِبْ مِنْ رَجُلٍ ، أَوِ اسْتِفْهَامًا ، نَحْوُ : هَلْ جَاءَكَ مِنْ رَجُلٍ ؟
وَأَجْرَى بَعْضُهُمُ الشَّرْطَ مَجْرَى النَّفْيِ ، نَحْوُ : إِنْ قَامَ رَجُلٌ قَامَ عَمْرٌو . وَقَالَ
الصَّفَّارُ : الصَّحِيحُ الْمَنْعُ .
وَلَهَا فِي النَّفْيِ مَعْنَيَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى مَا لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ ، نَحْوُ : مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ ، فَإِنَّهُ قَبْلَ دُخُولِهَا يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْجِنْسِ وَنَفْيَ الْوَحْدَةِ ، فَإِذَا دَخَلَتْ مِنْ تُعِينُ نَفْيَ الْجِنْسِ ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ( الْمَائِدَةِ : 73 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ( الْأَنْعَامِ : 59 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ( الْمُلْكِ : 3 ) .
وَثَانِيهِمَا : لِتَوْكِيدِ الْعُمُومِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الصِّيغَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْعُمُومِ ، نَحْوَ مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ ، أَوْ مِنْ دَيَّارٍ ، لِأَنَّكَ لَوْ أَسْقَطْتَ مِنْ لَبَقِيَ الْعُمُومُ عَلَى حَالِهِ ، لَأَنَّ أَحَدًا لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا لِلْعُمُومِ فِي النَّفْيِ .
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَغَايُرِ الْمَعْنَيَيْنِ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ مِنْ تَسَاوِيهِمَا .
قَالَ
الصَّفَّارُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَأَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، فَإِنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَى : " جَاءَنِي رَجُلٌ " إِلَّا وَهُوَ يُرَادُ بِهِ " مَا جَاءَنِي أَحَدٌ " لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا تَأْكِيدُ الِاسْتِغْرَاقِ مَعَ أَحَدٍ ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا الِاسْتِغْرَاقُ ، فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَيْهِ ، فَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَوْلَى .
قَالَ : وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُؤَكِّدَةَ تَرْجِعُ لِمَعْنَى التَّبْعِيضِ ، فَإِذَا قُلْتَ : مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَا أَتَانِي بَعْضُ هَذَا الْجِنْسِ وَلَا كُلُّهُ ، وَكَذَا مَا أَتَانِي مِنْ أَحَدٍ ، أَيْ بَعْضٍ مِنَ الْأَحَدَيْنِ . انْتَهَى .
[ ص: 362 ] وَقَالَ الْأُسْتَاذُ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ : نَصَّ الْأُسْتَاذُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّهَا نَصٌّ فِي الْعُمُومِ ، قَالَ : فَإِذَا قُلْتَ : مَا أَتَانِي رَجُلٌ ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ .
أَحَدُهَا : [ أَنْ ] تُرِيدَ مَا أَتَاكَ مِنْ رَجُلٍ فِي قُوَّتِهِ وَنَفَاذِهِ ، بَلْ أَتَاكَ الضُّعَفَاءُ .
الثَّانِي : أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ مَا أَتَاكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ بَلْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ تُرِيدَ مَا أَتَاكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ ، وَلَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ .
فَإِنْ قُلْتَ : مَا أَتَانِي مِنْ رَجُلٍ ، كَانَ نَفْيًا لِذَلِكَ كُلِّهِ ، قَالَ : هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَتَسْتَغْرِقُ .
وَيَلْتَحِقُ بِالنَّفْيِ الِاسْتِفْهَامُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ( الْمُلْكِ : 3 ) .
وَجَوَّزَ
الْأَخْفَشُ زِيَادَتَهَا فِي الْإِثْبَاتِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ( الْبَقَرَةِ : 271 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ( نُوحٍ : 4 ) وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ ، بِدَلِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ( الزُّمَرِ : 53 ) فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الزِّيَادَةِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ .
وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ لَوْ كَانَتَا فِي حَقِّ قَبِيلٍ وَاحِدٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا " مِنْ " لِقَوْمِ
نُوحٍ ، وَالْأُخْرَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا غُفِرَ لِلْبَعْضِ كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ مُعَاقَبًا عَلَيْهِ ، فَلَا يَحْصُلُ كَمَالُ التَّرْغِيبِ فِي الْإِيمَانِ ، إِلَّا بِغُفْرَانِ الْجَمِيعِ .
[ ص: 363 ] وَأَيْضًا فَكَيْفَ يَحْسُنُ التَّبْعِيضُ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ ، فَيَصِحُّ قَوْلُ
الْأَخْفَشِ ، فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِغُفْرَانِ بَعْضِ الذُّنُوبِ فِي الدُّنْيَا ، لِأَنَّ إِغْرَاقَ قَوْمِ
نُوحٍ عَذَابٌ لَهُمْ ، وَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مُضَافًا إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَلَوْ آمَنُوا لَغُفِرَ لَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ مَا اسْتَحَقُّوا بِهِ الْإِغْرَاقَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَمَّا غُفْرَانُ الذَّنْبِ بِالْإِيمَانِ فِي الْآخِرَةِ فَمَعْلُومٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا آمَنَ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ ذُنُوبٌ وَهِيَ مَظَالِمُ الْعِبَادِ ، فَثَبَتَ التَّبْعِيضُ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَافِرِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ : " ذُنُوبِكُمْ " يَشْمَلُ الْمَاضِيَةَ وَالْمُسْتَقْبَلَةَ ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ تُفِيدُ الْعُمُومَ ، فَقِيلَ : " مِنْ " لِتُفِيدَ أَنَّ الْمَغْفُورَ الْمَاضِي ، وَعَدَمَ إِطْمَاعِهِمْ فِي غُفْرَانِ الْمُسْتَقْبَلِ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَجْتَنِبُوا الْمَنْهِيَّاتِ .
وَقِيلَ : [ إِنَّهَا ] لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَهُوَ حَسَنٌ ، لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ( الْأَنْفَالِ : 38 )
nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ يُقَدِّرُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مَفْعُولًا مَحْذُوفًا ، أَيْ يَغْفِرُ لَكُمْ بَعْضًا مِنْ ذُنُوبِكُمْ مُحَافَظَةً عَلَى مَعْنَى التَّبْعِيضِ .
وَقِيلَ : بَلِ الْحَذْفُ لِلتَّفْخِيمِ ، وَالتَّقْدِيرُ : يَغْفِرُ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَا لَوْ كَشَفَ لَكُمْ عَنْ كُنْهِهِ لَاسْتَعْظَمْتُمْ ذَلِكَ ، وَالشَّيْءُ إِذَا أَرَادُوا تَفْخِيمَهُ أَبْهَمُوهُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=78فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ( طه : 78 ) أَيْ أَمْرٌ عَظِيمٌ .
وَقَالَ
الصَّفَّارُ : مِنْ لِلتَّبْعِيضِ عَلَى بَابِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ " غَفَرَ " تَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : بِاللَّامِ ،
فَالْأَخْفَشُ يَجْعَلُ الْمَفْعُولَ الْمُصَرَّحَ الذُّنُوبَ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي ، فَتَكُونُ " مِنْ " زَائِدَةً ، وَنَحْنُ نَجْعَلُ الْمَفْعُولَ مَحْذُوفًا ، وَقَامَتْ " مِنْ ذُنُوبِكُمْ "
[ ص: 364 ] مَقَامَهُ ، أَيْ جُمْلَةً مِنْ ذُنُوبِكُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَغْفُورَ لَهُمْ بِالْإِسْلَامِ مَا اكْتَسَبُوهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ لَا فِي حَالِ الْإِسْلَامِ ، وَالَّذِي اكْتَسَبُوهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ بَعْضُ ذُنُوبِهِمْ لَا جَمِيعُهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي آيَةِ الصَّدَقَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=271وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ( الْبَقَرَةِ : 271 ) فَلِلتَّبْعِيضِ ، لِأَنَّ أَخْذَ الصَّدَقَةِ لَا يَمْحُو كُلَّ السَّيِّئَاتِ .
وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ
الْأَخْفَشُ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ( النُّورِ : 30 ) أَيْ أَبْصَارَهُمْ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ( مُحَمَّدٍ : 15 ) أَيْ كُلُّ الثَّمَرَاتِ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ( الْأَنْعَامِ : 34 ) .
وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا ، بَلْ هِيَ فِي الْأَوَّلِ لِلتَّبْعِيضِ ، لِأَنَّ النَّظَرَ قَدْ يَكُونُ عَنْ تَعَمُّدٍ وَعَنْ غَيْرِ تَعَمُّدِ ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى نَظَرِ الْعَمْدِ فَقَطْ ، وَلِهَذَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=30وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ( النُّورِ : 30 ) مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ " مِنْ " ، لِأَنَّ حِفْظَ الْفُرُوجِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ ، وَلَا يُمْكِنُ فِي النَّظَرِ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ اتِّفَاقًا ، وَقَدْ يُبَاحُ لِلْخِطْبَةِ وَلِلتَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِمَا .
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهَا كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَجْنَاسِ الثِّمَارِ مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَزِيَادَةٌ ، وَلَمْ يَجْعَلْ جَمِيعَ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ مِنَ الثِّمَارِ عِنْدَهُمْ ، بَلْ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَا يَكْفِيهِ وَزِيَادَةٌ عَلَى كِفَايَتِهِ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْجِنْسِ عِنْدَهُمْ حَتَّى لَمْ تَبْقَ مَعَهُ بَقِيَّةٌ ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ وَصْفُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالتَّنَاهِي .
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ : فَلِلتَّبْعِيضِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ( النِّسَاءِ : 164 ) .
[ ص: 365 ] ( لَطِيفَةٌ ) : إِنَّهَا حَيْثُ وَقَعَتْ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تُذْكَرْ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الصَّفِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( الْآيَةَ : 10 ) إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ( الْآيَةَ : 12 ) .
وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=70يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ( الْآيَةَ : 70 ) إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ( الْآيَةَ : 71 ) .
وَقَالَ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ فِي سُورَةِ نُوحٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ( الْآيَةَ : 4 ) . وَفِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=31يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ( الْآيَةَ : 31 ) وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ ، لِئَلَّا يُسَوَّى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْوَعْدِ ، وَلِهَذَا إِنَّهُ فِي سُورَةِ نُوحٍ وَالْأَحْقَافِ وَعَدَهُمْ مَغْفِرَةَ بَعْضِ الذُّنُوبِ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ ، لَا مُطْلَقًا ، وَهُوَ غُفْرَانُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، لَا مَظَالِمِ الْعِبَادِ .
الرَّابِعَ عَشَرَ :
الْمُلَابَسَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=67الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ( التَّوْبَةِ : 67 ) أَيْ يُلَابِسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُوَالِيهِ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى النَّسْلِ وَالْوِلَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ نَسْلِ الْمُنَافِقِ مُؤْمِنٌ وَعَكْسُهُ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ( التَّوْبَةِ : 71 ) . وَكَذَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=34ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ( آلِ عِمْرَانَ : 34 ) . كَمَا يَتَبَرَّأُ الْكُفَّارُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ( الْبَقَرَةِ : 166 ) .
فَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ( النِّسَاءِ : 25 ) أَيْ بَعْضُكُمْ يُلَابِسُ بَعْضًا وَيُوَالِيهِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ ، مِنْ حَيْثُ يَشْمَلُكُمُ الْإِسْلَامُ .