الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهذا الذي ذكرنا من أن الوقت يكون ثلاثة في حق المعذور مما [ ص: 366 ] ثبت بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين في الجمع بعرفة ومزدلفة، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في أمور أخرى، وأحمد أوسع قولا به من غيره، وأما تفويت الصلاة فلا يجوز بحال في ظاهر مذهب أحمد، ولكن في مذهبه قول بجواز التفويت في بعض الصور، ولكن في مذهبه في مثل عدم الماء والتراب يجوز التفويت. وأما أبو حنيفة فيوجب التفويت في مواضع، ولا يجوز الجمع إلا بعرفة ومزدلفة. وقول الأكثرين الذين يسوغون الجمع بين الصلاتين ويمنعون التفويت مطلقا هو الصحيح، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، فإن الله تعالى قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ، وثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" ، وقال: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" . فالتفويت لا يجوز بحال، وتفويت الخندق منسوخ.

وأما الجمع بينهما في الوقت المشترك فهو ثابت بالسنة في مواضع متعددة، وبعضها مما أجمع عليه المسلمون، والآثار المشهورة عن الصحابة تبين أن الوقت المشترك وقت في حال العذر، كقول عمر بن الخطاب: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر. فدل على أن الجمع بينهما للعذر جائز. وقال عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وأبو هريرة فيمن طهرت في آخر النهار: إنها تصلي الظهر والعصر، [ ص: 367 ] وفيمن طهرت في آخر الليل: إنها تصلي المغرب والعشاء. وهو قول الثلاثة مالك والشافعي وأحمد.

وأما التفويت فلا يجوز بحال، فمن جوز التفويت في بعض الصور فقوله ضعيف وإن جوز الجمع. وأما من أوجب التفويت ومنع الجمع فقد جمع في قوله بين أصلين ضعيفين: بين إباحة ما حرم الله ورسوله وتحريم ما شرعه الله ورسوله، فإنه قد ثبت أن الجمع خير من التفويت.

فبهذا الأصل ينتظم كثير من مسائل المواقيت. وتفويت العصر إلى حين الاصفرار وتفويت العشاء إلى النصف الثاني أيضا لا يجوز إلا لضرورة، والجمع بين الصلاتين خير من الصلاة في هذا الوقت، بل الصلاة بالتيمم قبل دخول وقت الضرورة خير من الصلاة بالوضوء في وقت الضرورة. وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب أحمد وغيره، وقالوا: لا يجوز تأخيرها إلى الاصفرار، بل إذا لم يجد الماء إلا فيه فإنه يصلي بالتيمم قبل الاصفرار، ولا يصليها حين الاصفرار بالوضوء. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية