الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ولما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أبو بكر في مسكنه بالسنح ، لم يشهد موته ، فأقبل على فرسه ولم يدخل المسجد ، والناس على شك في موته ، وهم يبكون ، وعمر قائم في المسجد خطيبا يتوعد الناس ويقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمت ، ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى وغاب عن قومه أربعين ليلة ، والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات ، فقال العباس : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأسن كما يأسن البشر وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات ، فادفنوا صاحبكم ، أيميت الله أحدكم إماتة ويميت رسوله إماتتين ، وهو أكرم على الله من ذلك ، فإن كان كما يقولون فليس على الله بعزيز أن يبحث عنه التراب فيخرجه إن شاء الله ، ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا .

                                                                                                                                            أحل الحلال وحرم الحرام ، ونكح وطلق وحارب وسالم فأنتم أصحابه ، وقالوا تربصوا نبيكم لعله علج بروحه ، فتربصوا به حتى ربا بطنه ، فابتدأ أبو بكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه ، وكشف الثوب عن وجهه ، فاسترجع ، وقال : مات والله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل بين عينيه ، ورفع رأسه وقال : وانبياه ، ثم قبل جبهته ورفع رأسه وقال واخليلاه ، ثم قبل جبهته ورفع رأسه وقال : واصفياه ، ثم أكب عليه وبكى وقال : بأبي أنت وأمي ، ما أطيب حياتك وأطيب ميتتك : لأنت أكرم على الله من أن يجمع عليك موتتين ، فأما الموتة التي كتبت عليك فقد متها ، ثم سجاه بثوبه ، وخرج فدخل المسجد وعمر في كلامه ، وتوعده للناس فسكته أبو بكر فسكت ، ثم صعد أبو بكر المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ : إنك ميت وإنهم ميتون [ الزمر : 30 ] . ثم قرأ : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين [ آل عمران : 144 ] . ثم قال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، فكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية إلا حين تلاها أبو بكر ، وقال عمر : هذا في كتاب الله ، قال : نعم ، فتلقاها الناس كلهم ، فما سمع بشر إلا يتلوها ، وقال عمر : ما حملني على مقالتي إلا أني كنت أقرأ هذه الآية : وكذلك جعلناكم أمة وسطا [ ص: 98 ] لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] . فكنت أظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، ثم أخذوا في جهازه ، وكانوا ممسكين عن التعزية به حتى جاءتهم التعزية من شخص يسمعون صوته ولا يرون شخصه ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [ آل عمران : 185 ] . إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ، فحينئذ عزا الناس بعضهم بعضا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية