الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : ونحن نبدأ بشرح ما تضمنته الآية من تفسير وفقه .

                                                                                                                                            أما قوله تعالى : إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن [ الممتحنة : 10 ] ففيما يمتحن به وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : بأن يشهدن بأن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : بما في السورة من قوله : ياأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا [ الممتحنة : 12 ] الآية ، ثم قال : الله أعلم بإيمانهن [ الممتحنة : 10 ] يعني بما في قلوبهن : لأن الامتحان يعلم به ظاهر إيمانهن ، والله يعلم ظاهره وباطنه ، ثم قال تعالى : فإن علمتموهن مؤمنات يعني بالامتحان ، فلا ترجعوهن إلى الكفار [ الممتحنة : 10 ] يعني تمنعوهن من الرجوع إلى الكفار من أهليهن وأزواجهن ، لا هن حل لهم [ الممتحنة : 10 ] يعني أن المسلمة لا تحل لكافر بحال ولا هم يحلون لهن [ الممتحنة : 15 ] فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يعني أن الكفار لا يحلون للمسلمات بحال .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يعني أن المسلم لا يحل له نكاح كافرة وثنية ، ولا مرتدة ، ثم قال تعالى : وآتوهم ما أنفقوا يعني مهورهن ، وفي من تدفع إليه مهورهن قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول الشافعي أزواجهن دون غيرهم من أهليهن ، فعلى هذا يدفع ذلك إليهم إن كن قد أخذنه منهم ، ولا يدفع إن لم يأخذنه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : إلى كل طالب لهن من زوج وأهل وهو شاذ .

                                                                                                                                            فعلى هذا يدفع إلى من كان مستحقا لطلبهن من زوج وأهل ، سواء أخذنه أو لم يأخذنه ، وهذا فاسد : لأنه قال : وآتوهم ما أنفقوا [ الممتحنة : 10 ] فلا يأخذ من لم ينفق ثم قال : ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن [ ص: 358 ] أجورهن [ الممتحنة : 10 ] يعني المؤمنات اللاتي جئن من دار الشرك مسلمات عن أزواج مشركين أباح الله تعالى نكاحهن للمسلمين إذا انقضت عددهن ، أو كن غير مدخول بهن .

                                                                                                                                            وقوله : إذا آتيتموهن أجورهن يعني مهورهن ، وليس يريد بالإيتاء الدفع إلا أن يتضمنه العقد فيصير مستحقا ثم قال : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] يعني أن الكافر إذا أسلم عن زوجة وثنية لم يقم على نكاحها تمسكا بعصمتها إلا أن يسلم في عدتها ، وفي العصمة هاهنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : الجمال .

                                                                                                                                            والثاني : العقد ، ثم قال تعالى : واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا [ الممتحنة : 10 ] يعني أن المسلم إذا ارتدت زوجته ، فلحقت بأهل العهد رجع المسلم عليها بمهرها ، كما يرجع أهل العهد علينا بمهر من أسلم منهم ، ثم قال : وإن فاتكم شيء من أزواجكم يعني من ارتدت إلى الكفار ، وهي زوجة المسلم إذا ارتدت فلحقت بأهل العهد ، وفواتها أن تنقضي عدتها في الردة ، ثم قال : فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [ الممتحنة : 11 ] فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : فعاقبتم المرتدة بالقتل ، فلزوجها أن يرجع بمهرها في غنائم المسلمين ، وهذا قول شاذ ذهب إليه بعض المتكلمين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يعني : فعاقبتم الذين لحقت المرتدة بهم من الكفار ، وفيما أريد بمعاقبتهم وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : إصابة العاقبة منهم بالقتل والسبي والغنيمة : فيدفع من غنائمهم مهر من ارتد إليهم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه كما يوجب عليهم مهر من ارتد إليهم ، ووجب لهم مهر من أسلم أيضا جعل ذلك قصاصا تساويا ورد فعل إن زاد فيكون معنى عاقبتم أي تقاصصتم ، وهو على الوجه الأول من العقب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية