الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " قال ويجوز في الضحايا الجذع من الضأن والثني من الإبل والبقر والمعز لا يجوز دون هذا من السن " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الضحايا فلا تجوز إلا من النعم لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : قول الله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام [ المائدة : 1 ] .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما اختصت بوجوب الزكاة اختصت الأضحية ، لأنها قربة ، والنعم هي الإبل والبقر والغنم ، قال الشافعي : هم الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى :

                                                                                                                                            [ ص: 76 ] ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين [ الأنعام : 43 ] . يعني ذكرا وأنثى فاختص هذه الأزواج الثمانية من النعم بثلاثة أحكام :

                                                                                                                                            أحدها : وجوب الزكاة فيها .

                                                                                                                                            والثاني : اختصاص الأضاحي بها .

                                                                                                                                            والثالث : إباحتها في الحرم والإحرام وفي تسميتها نعما وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لنعومة وطئها إذا مشت حتى لا يسمع لأقدامها وقع .

                                                                                                                                            والثاني : لعموم النعمة فيها في كثرة الانتفاع بألبانها ونتاجها .

                                                                                                                                            فإذا تقرر أن الضحايا بالإبل والبقر والغنم دون ما عداها من جميع الحيوان فأسنان ما يجوز في الضحايا منها معتبرة ولا يجزئ دونها ، وقد أجمعنا على أنه لا يجزئ ما دون الجذاع من جميعها ولا يلزم ما فوق الثنايا من جميعها ، واختلفوا في الجذاع والثنايا على ثلاثة :

                                                                                                                                            أحدها : وهو قول عبد الله بن عمر والزهري أنه لا يجزئ منها إلا الثنايا من جميعها ولا يجزئ الجذع من الضأن كما لا يجزئ الجذع من المعز .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : - وهو قول عطاء والأوزاعي - أنه يجزئ الجذع من جميعها حتى من الإبل والبقر والمعز كما يجزئ الجذع من الضأن .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك والجمهور من الفقهاء - أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا التي دون الجذع ، ويجزئ من الضأن وحده الجذع .

                                                                                                                                            والدليل على ذلك ما رواه جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن .

                                                                                                                                            فدل هذا الخبر على اعتبار المسن من غير الضأن والجذع من الضأن ، وليس ذلك شرطا في الاعتبار ، لما روى زيد بن خالد الجهني قال : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه ضحايا فأعطاني عنزا ذا جذع فرجعت إليه فقلت : إنه جذع فقال : ضح به فضحيت به .

                                                                                                                                            وروي عن سعيد بن المسيب عن عقبة بن عامر قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجذع من الضأن ، فقال : ضح به . وروى ابن عباس قال : جلبت غنما جذاعا إلى المدينة [ ص: 77 ] فكسدت علي ، فلقيت أبا هريرة ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : نعم الأضحية الجذع من الضأن ، قال : فانتهبها الناس والدليل على أن الجذع من المعز لا يجزئ ما رواه الشافعي عن سعيد بن المسيب عن ابن خباب عن يزيد عن البراء بن عازب قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد ، فقال : إن أول نسك يومكم هذا الصلاة ، فقام إليه خاليأبو بردة ، فقال يا رسول الله ، كان يوما يشتهر فيه اللحم ، وإنا عجلنا فذبحنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبدلها ، قال : يا رسول الله إن عندنا ماعزا جذعا ، فقال : هي لك وليست لأحد بعدك .

                                                                                                                                            فدل على أن الجذع من المعز لا يجزئ غيره ، وفي تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة بإجزائها عنه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لأنه كان قبل استقرار الشرع فاستثني

                                                                                                                                            والثاني : أنه علم من صدق طاعته وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه .

                                                                                                                                            واختلفوا هل كان ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اجتهاد رأيه أو عن وحي من الله تعالى ؟ على وجهين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية