الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - واستدل : إن كانا بدليلين ، فإن كان أحدهما راجحا ، تعين ، وإلا تساقطا .

            وأجيب بأن الأمارات تترجح بالنسب ، فكل راجح ، واستدل بالإجماع على شرع المناظرة ، فلولا تبيين الصواب ، لم تكن فائدة .

            وأجيب : بتبيين الترجيح أو التساوي أو التمرين .

            واستدل بأن المجتهد طالب ، ولا مطلوب محال ، فمن أخطأه ، فهو مخطئ قطعا .

            وأجيب : مطلوبه ما يغلب على ظنه ، فيحصل وإن كان مختلفا .

            [ ص: 317 ] واستدل بأنه يلزم حل الشيء وتحريمه لو قال مجتهد شافعي لمجتهدة حنفية : أنت بائن ، ثم قال : راجعتك .

            وكذا لو تزوج مجتهد امرأة بغير ولي ، ثم تزوجها بعده مجتهد بولي .

            وأجيب بأنه مشترك الإلزام ; إذ لا خلاف في لزومه اتباع ظنه .

            وجوابه أن يرفع إلى الحاكم فيتبع حكمه .

            التالي السابق


            ش - هذه استدلالات أربعة على أنه ليس كل مجتهد بمصيب :

            الأول : أنه إذا اختلف اجتهاد المجتهدين في حكم ، فلا يخلو إما أن يكون اجتهادهما بدليلين أو لا ، فإن كان الثاني ، يلزم تخطئة كل واحد من المجتهدين إن لم يكن واحد منهما بدليل ، وتخطئة أحدهما إن كان أحدهما بدليل ، والآخر بغير دليل .

            وإن كان الأول ، فلا يخلو إما أن يكون أحد الدليلين راجحا على الآخر أو لا .

            فإن كان الأول ، تعين كون الأرجح دليلا ، والآخر خطأ ، فيلزم أن يكون أحدهما مصيبا والآخر مخطئا .

            [ ص: 318 ] وإن كان الثاني ، تساقط الدليلان . فيلزم أن يكون كل منهما مخطئا .

            أجاب بأنه على كل واحد منهما أمارة ، والأمارات تترجح بالنسب إلى الأشخاص ، فكل أمارة تترجح بالنسبة إلى من يقول بها .

            الثاني : الإجماع منعقد على شرع المناظرة ، فلولا تبيين الصواب ، لم تكن للمناظرة فائدة ، وإذا كانت الفائدة تبيين الصواب ، لم يكن الكل مصيبا .

            أجاب بأنا لا نسلم أن فائدة المناظرة تبيين الصواب ، بل يجوز أن تكون فائدتها تبيين ترجيح إحدى الأمارتين على الأخرى ، أو تبيين تساويهما ، أو فائدتها تمرين النفس ، فإن التمرين يفيد النفس استعدادا تاما لاستنباط الأحكام .

            الثالث : أن المجتهد طالب للحكم ، وطالب ولا مطلوب محال ; لاستحالة طلب المعدوم .

            وإذا كان له مطلوب ، فلا بد وأن يكون متقدما على وجود الطلب ، فلا بد من ثبوت حكم قبل ثبوت الطلب ، فمن أخطأ ذلك الحكم ، مخطئ قطعا ، فتعين أن يكون المصيب واحدا .

            أجاب بأن مطلوبه ما يغلب على ظن المجتهد ، ولا يلزم أن [ ص: 319 ] يكون متعينا في نفس الأمر قبل طلبه ، بل يكفي كونه موجودا في الذهن ، فيحصل مطلوب كل وإن كان مختلفا ، فيكون الكل مصيبا لتحقق مطلوبه .

            الرابع : أنه لو كان كل واحد مصيبا ، يلزم حل الشيء وتحريمه ، وهو محال .

            بيان الملازمة أن المجتهد الشافعي إذا قال لزوجته المجتهدة الحنفية : أنت بائن ، ثم قال : راجعتك ، فإنها بالنظر إلى الزوج تحل المراجعة ، وبالنظر إلى المرأة ، تحرم المراجعة . فيلزم حل المراجعة وحرمتها .

            وكذا لو تزوج مجتهد حنفي امرأة بغير ولي ، ثم تزوجها بعده مجتهد شافعي بولي ، يلزم حل المرأة وحرمتها بالنسبة إلى كل واحد من الزوجين .

            أجاب بأن هذا مشترك الإلزام ، فإنه على تقدير أن يكون المصيب واحدا ، يلزم كلا اتباع ظنه ; إذ لا خلاف في لزوم المجتهد اتباع ظنه ، فيلزم أن يكون الشيء الواحد حلالا حراما معا .

            ثم قال المصنف : والجواب أن المتبع في مثل ما ذكر هو حكم الحاكم ، لا اجتهادهما ، فيرفع مثل ما ذكر إلى الحاكم فيتبع حكمه .




            الخدمات العلمية