الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - فإن قيل : أخبار آحاد في قطعي .

            سلمنا ، لكن يجوز أن يكون عملهم بغيرها .

            سلمنا ، لكنهم بعض الصحابة .

            سلمنا أن ذلك من غير نكير دليل ، ولا نسلم نفي الإنكار .

            سلمنا ، لكنه لا يدل على الموافقة .

            سلمنا ، لكنها أقيسة مخصوصة .

            والجواب عن الأول أنها متواترة في المعنى ، كشجاعة علي رضي الله عنه .

            [ ص: 158 ] وعن الثاني : القطع من سياقها بأن العمل بها .

            وعن الثالث : شياعه وتكريره قاطع عادة بالموافقة .

            وعن الرابع : أن العادة تقضي بنقل مثله .

            وعن الخامس : ما سبق في الثالث .

            وعن السادس : القطع بأن العمل لظهورها لا لخصوصها ، كالظواهر .

            التالي السابق


            ش - لما ذكر الدليل على وقوع التعبد بالقياس ، ذكر أسئلة مع الجواب ، وتقرير الأسئلة أن يقال : التعبد بالقياس قطعي ; لأنه أصل من الأصول .

            والوقائع التي ذكرتم أخبار آحاد ، وهي لا تفيد القطع .

            سلمنا : أنها متواترة ، لكن لا نسلم أن الصحابة عملوا في تلك الوقائع بالأقيسة ، بل عملوا بظواهر النصوص .

            سلمنا أن الصحابة عملوا في تلك الوقائع بالقياس ، لكنهم بعض الصحابة ، فلا يكون عملهم حجة .

            سلمنا أن عمل الصحابة من غير نكير الباقين دليل ، لكن لا نسلم نفي الإنكار ، فإنه نقل عن الصحابة تارة إنكار الرأي ، [ ص: 159 ] وأخرى إنكار القياس ، وأخرى إنكار من أثبت الحكم لا بالكتاب والسنة .

            وروي عن أبي بكر أنه قال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني ، إذا قلت في كتاب الله برأي .

            وعن عمر : إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي ، فضلوا وأضلوا .

            وعن عمر أنه قال : وإياكم والمكايلة . قيل : وما المكايلة ؟ قال : المقايسة .

            وعن شريح قال : كتب عمر بن الخطاب إلي ، وهو يومئذ من قبله قاض : اقض بما في كتاب الله ، فإن جاءك ما ليس فيه ، فاقض بما في سنة رسول الله ، فإن جاءك ما ليس فيها ، فاقض بما أجمع عليه أهل العلم ، فإن لم تجد ، فلا عليك أن تقضي .

            [ ص: 160 ] وعن علي : لو كان الدين بالقياس ، لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره .

            ويروى عن ابن عمر ، وعن ابن عباس أنهما قالا : يذهب قراؤكم وصلحاؤكم ، ويتخذ الناس رؤساء جهالا ، يقيسون الأمور برأيهم .

            ويروى عن ابن مسعود أنه قال : إذا قلتم في دينكم بالقياس ، أحللتم كثيرا مما حرم الله ، وحرمتم كثيرا مما أحل الله .

            وعن ابن عباس أنه قال : إن الله - تعالى - قال لنبيه : ( احكم بينهم بما أنزل الله ) ، ولم يقل : بما رأيت .

            وقال : لو جعل لأحدكم أن يحكم برأيه ، لجعل ذلك لنبيه ، ولكن قيل له : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) .

            قال : إياكم والمقاييس ، فإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس .

            وعن ابن عمر ; السنة ما سنه الرسول ، عليه السلام ، [ ص: 161 ] لا تجعلوا الرأي سنة للمسلمين .

            وعن مسروق : لا أقيس شيئا بشيء ، أخاف أن تزل قدمي بعد ثبوتها .

            وقال ابن سيرين يذم القياس ويقول : أول من قال إبليس .

            وقال الشعبي : إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام ، وحرمتم الحلال .

            فثبت بهذه الروايات تصريح الصحابة والتابعين بإنكار القياس والرأي .

            سلمنا أن بعض الصحابة عمل بالقياس ، ولم ينكر أحد ، لكن عدم إنكارهم لا يدل على الموافقة ، لجواز أن يكون عدم إنكارهم للخوف ، أو لغير ذلك من الاحتمالات .

            سلمنا أن سكوتهم يدل على الموافقة ، لكنها أقيسة مخصوصة ، ولا يلزم منه الإجماع على العمل بكل قياس .

            [ ص: 162 ] أجاب عن الأول بأن هذه الأخبار وإن كانت آحادا في التفاصيل ، إلا أنها متواترة في المعنى ; لأن القدر المشترك بينها - وهو العمل بالقياس - متواتر ، كشجاعة علي وسخاوة حاتم .

            وعن الثاني أن سياق تلك الأخبار وقرائن الأحوال ، دل قطعا بأن عملهم بالقياس في تلك الوقائع لا بالنص ; لأن عملهم لو كان بالنص لأظهروه . ولو أظهروه لاشتهر ، ولو اشتهر لنقل إلينا . ولما لم يكن كذلك ، علمنا أنهم ما عملوا في تلك الوقائع بالنص .

            وعن الثالث أن شياع العمل بالقياس وتكريره قاطع عادة بأن عدم إنكارهم بسبب الموافقة .

            وعن الرابع أن العادة تقضي بأنه لو أنكر من بعضهم ، لنقل ، ولما لم ينقل ، دل على أنهم لم ينكروا .

            أو الإنكار في الصور الذي ذكرتم إنما كان بالنسبة إلى من ليس له مرتبة الاجتهاد والاستنباط ، وفي قياس أخل شرط صحته ، جمعا بين النقلين ; لأن هؤلاء الذين رويتم عنهم المنع من القياس هم الذين دللنا على تجويزهم العمل بالقياس ، فلا بد من التوفيق .

            وعن الخامس : ما سبق في الثالث .

            وعن السادس : أن العمل بالأقيسة المخصوصة ليس لأجل خصوصها ، كالظواهر ، فإن العمل بها ليس لأجل خصوصها ، بل [ ص: 163 ] لأجل أنها من الأدلة الظاهرة .




            الخدمات العلمية