الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 281 ] الاستحسان .

            ص - الاستحسان .

            قال به الحنفية والحنابلة ، وأنكره غيرهم ، حتى قال الشافعي - رحمه الله : " من استحسن فقد شرع " .

            ولا يتحقق استحسان مختلف فيه .

            فقيل : دليل ينقدح في نفس المجتهد تعسر عبارته عنه .

            قلنا : إن شك فيه فمردود ، وإن تحقق فمعمول اتفاقا .

            وقيل : هو العدول عن قياس إلى قياس أقوى ، ولا نزاع فيه .

            وقيل : تخصيص قياس بأقوى منه ، ولا نزاع فيه .

            وقيل : العدول إلى خلاف النظير لدليل أقوى ، ولا نزاع فيه .

            [ ص: 282 ] وقيل : العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس ، كدخول الحمام ، وشرب الماء من السقاء .

            قلنا : مستنده جريانه في زمانه أو زمانهم مع علمهم من غير إنكار أو غير ذلك ، وإلا فهو مردود .

            فإن تحقق استحسان مختلف فيه ، قلنا : لا دليل يدل عليه ، فوجب تركه .

            قالوا : ( واتبعوا أحسن ) .

            قلنا : أي الأظهر والأولى .

            " وما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن " يعني الإجماع ، وإلا لزم العوام .

            التالي السابق


            ش - الاستحسان مما ظن أنه دليل ، وليس كذلك .

            قالت الحنفية والحنابلة : الاستحسان حجة .

            وأنكره غيرهم ، حتى قال الشافعي - رضي الله عنه : " من استحسن فقد شرع " . أي فقد وضع شرعا جديدا .

            [ ص: 283 ] ولا يتحقق استحسان مختلف فيه ; لأن الاستحسان الواقع في الكلام مما لا نزاع فيه ; لأنه لا كلام في صحة إطلاق لفظ الاستحسان على الواجب في بعض الصور ; لقوله : ( وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ) .

            وعلى المندوب في بعضها ، كقول الشافعي : " أستحسن ترك شيء من نجوم الكتابة " .

            وأما الاستحسان الغير الواقع في الكلام ، فقيل في تعريفه : إنه دليل ينقدح في نفس المجتهد تعسر عبارته عنه .

            قلنا : إن شك المجتهد في كونه دليلا ، فمردود بالاتفاق ، وإن تحقق كونه دليلا ، فلا بد من العمل به اتفاقا ، فلا يتحقق فيه خلاف .

            وقيل في تعريفه : الاستحسان هو العدول عن قياس إلى قياس أقوى ، ولا نزاع فيه أيضا ; لأنه يعمل به من كان القياس عنده حجة .

            وقيل : هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه .

            [ ص: 284 ] ولا نزاع فيه أيضا .

            وقيل : العدول إلى خلاف النظير لدليل أقوى منه ، أي هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها لدليل هو أقوى ، ولا نزاع فيه أيضا .

            وقيل : هو العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس ، كدخول الحمام من غير تقدير أجرة للحمام ، ومن غير تقدير مدة السكون ، وكشرب الماء من السقاء من غير تقدير أجر له .

            قلنا : مستند هذا ليس هو العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة ، بل مستنده جريانه في زمان النبي - عليه السلام ، أو في زمان الصحابة مع علمهم من غير إنكار . وإلا أي وإن لم يجر في زمانه أو زمانهم ، أو جرى ولم يكونوا عالمين به ، أو كانوا عالمين به وأنكروا عليه ، فهو مردود .

            فقد ثبت أن الاستحسان في الصور التي ذكرناها مما لا نزاع فيه .

            [ ص: 285 ] فإن تحقق استحسان مختلف فيه في غير هذه الصور ، قلنا : لا دليل يدل على كونه حجة ، فوجب تركه ، والقائلون بكون الاستحسان حجة ، احتجوا بقوله - تعالى : ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) . فإنه أمر فيه باتباع الأحسن ، والأمر للوجوب .

            أجاب بأن المراد بالأحسن : الأظهر والأولى .

            [ ص: 286 ] وقوله - عليه السلام : " ما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن " . المراد منه : ما أجمع عليه ، وإلا لزم أن يكون ما رآه العوام حسنا ، فهو حجة ، وليس كذلك بالاتفاق .




            الخدمات العلمية