الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 131 ] ص - وتثبت علية الشبه بجميع المسالك ، وفي إثباته بتخريج المناط نظر ، ومن ثم قيل : هو الذي لا تثبت مناسبته إلا بدليل منفصل ، ومنهم من قال : ما يوهم المناسبة ، ويتميز عن الطردي بأن وجوده كالعدم .

            وعن المناسب الذاتي بأن مناسبته عقلية ، وإن لم يرد شرع ، كالإسكار في التحريم .

            مثاله : طهارة تراد للصلاة ، فيتعين الماء ، كطهارة الحدث . فالمناسبة غير ظاهرة ، واعتبارها في مس المصحف والصلاة يوهم ، وقول الراد له : إما أن يكون مناسبا أو لا .

            والأول مجمع عليه ، فليس به .

            والثاني طرد ، فيلغى .

            أجيب : مناسب ، والمجمع عليه المناسب لذاته أو لا واحد منهما .

            التالي السابق


            ش - ومن مسالك العلة : الشبه ، [ ص: 132 ] ولا يفيد العلية بذاته .

            وتثبت عليته بجميع المسالك من النص والإجماع والسبر والتقسيم ، وفي إثباته بتخريج المناط أي المناسبة نظر .

            ومن ثم ، أي ومن أجل أن إثباته بتخريج المناط محل نظر ، قيل في تعريف الشبه : إنه الوصف الذي لا يثبت مناسبته إلا بدليل منفصل ، فإنه إذا لم يثبت علية الشبه بتخريج المناط ، يلزم أن لا يكون مناسبته للحكم لذاته ، وإلا لثبت عليته بتخريج المناط .

            وقال بعض الشارحين : إثبات علية الشبه بتخريج المناط مبني على تعريف الشبه . فمن عرفه بأنه الذي يوهم المناسبة ، فلا يجوز إثباته بتخريج المناط ، فإن تخريج المناط يوجب المناسبة ، وما يوهم المناسبة ، لا يكون موجبا للمناسبة ، فبينهما تناف .

            ومن عرفه بالمناسب الذي ليس مناسبته لذاته ، جوز إثباته بتخريج المناط . فإنه لا منافاة حينئذ بين الشبه وتخريج المناط ; إذ من الجائز أن يكون الوصف الشبهي مناسبا يتبع المناسب بالذات لاشتماله عليه .

            قوله : ومن ثم ، أي ومن أجل أن الشبه غير مستقل في الدلالة على العلية ، بل يحتاج إلى مسلك آخر ، عرف بأنه لا يكون مناسبا إلا بدليل منفصل .

            [ ص: 133 ] وفيه نظر ، فإنه على تقدير أن يعرف بما لا يكون مناسبته إلا بدليل منفصل ، لا يمكن إثبات عليته بتخريج المناط ; لأن تخريج المناط إنما يتحقق بثبوت وصف مناسب لذاته ، فهذا الوصف لا يخلو إما أن يكون هو الوصف الشبهي ، أو غيره .

            فإن كان الأول ، يلزم أن يكون الشبهي مناسبا لذاته ، وقد فرض بخلافه .

            وإن كان غيره ، لا يكون الوصف الشبهي مناسبا بالذات ، بل بالتبع ، ومع وجود المناسب بالذات ، لا يعلل بالمناسب بالتبع .

            وأيضا : توجيه قوله : " ومن ثم " على الوجه الذي قرره هذا الشارح ، لا يخلو عن تعسف .

            ومن الأصوليين من عرف الشبه بأنه : ما يوهم المناسبة ، ويتميز الشبه عن الطردي بأن وجود الطرد كالعدم ; إذ لا مناسبة له أصلا ، بخلاف الشبه فإن له مناسبة ، وإن كانت بدليل منفصل .

            ويتميز الشبه عن المناسب الذاتي بأن المناسب الذاتي مناسبته عقلية تعلم بالنظر في ذاته ، وإن لم يرد الشرع ، كالإسكار في التحريم ، فإن مناسبة الإسكار للتحريم تعلم بالنظر في ذات الإسكار ، وإن لم يرد الشرع .

            بخلاف الشبه ، فإن مناسبته لا تعلم بالنظر في ذاته ، بل [ ص: 134 ] يحتاج إلى دليل منفصل ، وإلى ورود الشرع ، واعتبار الشبه في بعض الصور .

            مثال الشبه قول الشافعي في إزالة الخبث بالماء : طهارة الخبث طهارة تراد للصلاة . فتعين فيها الماء ، كطهارة الحدث . فإن مناسبة الطهارة لتعيين الماء غير ظاهرة ، ولكن لما اعتبر الطهارة بالماء في مس المصحف والصلاة توهم مناسبة الطهارة لتعيين الماء .

            واحتج الراد ، أي القائل بأن الشبه غير معتبر في العلية ، بأن الوصف الذي يعلل به في الشبه لا يخلو إما أن يكون مناسبا ، أو لا .

            فإن كان الأول ، فهو مجمع عليه في كونه معتبرا ، فلا يكون شبها ; لأنه مختلف فيه .

            وإن كان الثاني : فهو طرد ، والطرد يلغى بالاتفاق .

            أجاب بأنه مناسب ، ولا يلزم أن يكون مجمعا عليه ; لأن المجمع عليه ، هو المناسب لذاته ، والشبه لا يكون مناسبا لذاته . أو بأنه لا واحد من المناسب بالذات ، ومن المناسب بالغير مجمع عليه ، فحينئذ يبطل قوله : والأول مجمع عليه .




            الخدمات العلمية