الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - المانع : لو جاز لكانت كل واحدة مستقلة غير مستقلة ; لأن معنى استقلالها ثبوت الحكم بها ، فإذا انفردت ، ثبت الحكم بها ، فإذا تعددت ، تناقضت .

            وأجيب بأن معنى استقلالها أنها إذا انفردت استقلت ، فلا تناقض في التعدد .

            قالوا : لو جاز ، لاجتمع المثلان ، فيستلزم النقيضين ; لأن المحل يكون مستغنيا غير مستغن ، وفي الترتيب تحصيل الحاصل .

            قلنا : في العلل العقلية ، فأما مدلول الدليلين فلا .

            قالوا : لو جاز ، لما تعلق الأئمة في علة الربا بالترجيح ; لأن من ضرورته صحة الاستقلال .

            وأجيب بأنهم تعرضوا للإبطال ، لا للترجيح ، ولو سلم ، فللإجماع على اتحاد العلة هاهنا ، وإلا لزم جعلها أجزاء .

            التالي السابق


            ش - المانعون من جواز تعليل الحكم الواحد بعلل مستقلة احتجوا بثلاثة وجوه :

            الأول : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلل مستقلة ، لكانت [ ص: 56 ] كل واحدة منها مستقلة غير مستقلة ، والتالي ظاهر الفساد ، فالمقدم مثله .

            بيان الملازمة : أن معنى استقلال العلة ثبوت الحكم بها بانفرادها ، فإذا تعددت العلل المستقلة ، ثبت الحكم بكل واحدة منها ; لأنها علة مستقلة ، ولم يثبت بكل منها; لأنه ثبت بالجميع ، فيلزم التناقض .

            أجاب بأن معنى استقلالها أنها إذا انفردت ، استقلت في العلية ، فيجوز أن تكون كل واحدة منها حالة الانفراد مستقلة ، وحالة الاجتماع غير مستقلة ، فلا يلزم التناقض في حالة التعدد لعدم استقلال كل منهما حينئذ ، والتناقض إنما نشأ من استقلالها حالة التعدد .

            والثاني : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين ، يلزم اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل ، وكل واحد منهما محال ، أما الملازمة ; فلأن العلتين إما أن تكونا معا أو على الترتيب ، فإن كانتا معا ، يلزم اجتماع المثلين ; لأن وجود العلة المستقلة ملزومة لمعلولها ، فيلزم من كل واحدة منهما مثل ما لزم من الأخرى ، فيلزم اجتماع المثلين .

            وإن كانتا على الترتيب ، يلزم تحصيل الحاصل .

            أما بيان تحصيل الحاصل فظاهر ، وأما بيان استحالة اجتماع المثلين ; فلأنه يلتزم التناقض ; لأن محل التعليل ، يعني الحكم ، يكون مستغنيا عن كل واحدة منهما ، غير مستغن ; لأن حصول الحكم لكل واحدة منهما يوجب الاستغناء عن الأخرى .

            [ ص: 57 ] قال بعض الشارحين : ولقائل أن يقول : الجمع بين المثلين لا اختصاص له بالمعية ، ولا تحصيل الحاصل بالترتيب ، إذ لو حصلت العلتان معا أو ترتبا ، فإن كان تأثير الكل في كل واحد معين ، كان تحصيل الحاصل ، وإن كان في غيره لزم اجتماع المثلين .

            وفيه نظر ; لأن اختصاص تحصيل الحاصل بالترتيب ظاهر ; لأن العلتين إذا حصلتا معا ، كان فعلهما أيضا معا ، فلا يتصور تحصيل الحاصل في فعل واحدة منهما ; لأن تحصيل الحاصل إنما يتصور إذا حصل شيء بعد حصوله مرة أخرى .

            وأما اجتماع المثلين ، وإن كان لا اختصاص له بالمعية ، إلا أنه لما كان الترتيب مستلزما لتحصيل الحاصل ، وتحصيل الحاصل أظهر فسادا من اجتماع المثلين ، لم يتعرض في الترتيب لاجتماع المثلين ، بل بين استلزامه لما هو أظهر فسادا منه .

            ثم قال : وأيضا لم يحتج في لزوم الاستغناء وعدمه إلى توسط الجمع بين المثلين ، وهو حق .

            أجاب المصنف بأن اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل إنما يلزم من العلتين المستقلتين في العلل العقلية المفيدة لوجود المعلول ، وأما في العلل الشرعية التي هي دلائل الأحكام فلا; لأنه جاز أن يكون لمدلول واحد دليلان ، أو دلائل .

            الثالث : لو جاز تعليل الحكم الواحد بعلتين أو علل ، كل واحدة منها مستقلة ، لما تعلقت الأئمة في علة الربا بالترجيح ، يعني ترجيح عللها من الطعم والقوت والكيل ، بعضها على بعض ، [ ص: 58 ] والتالي باطل ; لأنهم تعلقوا بالترجيح .

            بيان الملازمة : أن من ضرورة جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين أو علل ، كل واحدة منها مستقلة ، صحة استقلال كل منها بالعلية ، والترجيح ينافي صحة الاستقلال ; لأنه إذا صح أن يكون كل واحدة منها علة مستقلة ، جاز أن يكون الجميع علة ، فلا وجه للترجيح .

            أجاب بأنهم تعرضوا للطعم والقوت والكيل ; لإبطال كون الغير علة بالترجيح .

            ولو سلم أنهم تعرضوا للترجيح ، فلا نسلم أنهم تعرضوا للترجيح ; لامتناع التعليل بعلتين مستقلتين ، بل للإجماع على اتحاد العلة هاهنا ، أي في الربا ، وإلا - أي وإن لم يتعرضوا للترجيح - لزم جعلها - أي جعل علل الربا - أجزاء للعلة ; لأنهم لما أجمعوا على اتحاد العلة هاهنا ، لم يمكن أن يجعل كل واحدة منها علة مستقلة .

            فلو لم يتعرضوا للترجيح حتى يتعين الراجح للعلية ، يلزم أن يكون كل منها جزء علة ; لأن جعل أحدهما علة من غير ترجيح محال ، ولا قائل بكون كل منها جزء علة .




            الخدمات العلمية