الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - لا يقال : الظن ينتفي بالعلم ; لأنا نقطع ببقائه ; ولأنه كان يستحيل ظن النقيض مع ذكره .

            فإن قيل : مشترك الإلزام ; لأن الإجماع على وجوب اتباع الظن . فيجب الفعل أو يحرم قطعا ، قلنا : الظن متعلق بأنه الحكم المطلوب ، والعلم بتحريم المخالفة ، فاختلف المتعلقان ، فإذا تبدل الظن ، زال شرط تحريم المخالفة .

            فإن قيل : فالظن متعلق بكونه دليلا ، والعلم بثبوت مدلوله ، فإذا تبدل الظن ، زال شرط ثبوت الحكم .

            قلنا : كونه دليلا حكم أيضا ، فإذا ظنه علمه ، وإلا جاز أن يكون المتعبد به غيره ، فلا يكون كل مجتهد مصيبا .

            التالي السابق


            ش - هذا إيراد على الملازمة المذكورة في الدليل الثاني .

            توجيهه أن يقال : الملازمة إنما تتم أن لو كان استمرار القطع مشروطا ببقاء الظن ، وهو ممنوع ; لأن الظن ينتفي بالعلم ضرورة [ ص: 313 ] انتفاء احتمال النقيض عند عدم احتمال النقيض . فلا يمكن اجتماع الظن مع العلم ، وما لا يمكن اجتماعه مع الشيء ، لا يكون شرطا له .

            أجاب عنه بوجهين :

            الأولى : أنا نقطع ببقاء الظن عند بقاء الإصابة الموجبة لاستمرار القطع ، فلا يمكن منعه .

            الثاني : أنه لو انتفى ظن الشيء بالعلم ، لكان يستحيل ظن نقيض الشيء مع ذكره ، أي مع ذكر الحكم لأجل العلم ، فإنه عند ظن نقيض الشيء يكون الشيء موهوما ، وإذا كان الظن ينتفي بالعلم ، فبالحري أن ينتفي الوهم اللازم لظن نقيض الشيء بالعلم . فيستحيل ظن النقيض مع ذكر الحكم ; لأجل العلم بالحكم ، لكنه لا يستحيل ظن النقيض مع ذكر الحكم للإجماع على أنه يجوز ظن نقيض الحكم عند ذكر الحكم .

            فإن قيل : ما ذكرتم من لزوم اجتماع النقيض مشترك الإلزام ، فإنه كما يلزم اجتماع النقيضين على مذهب تصويب الكل ، يلزم اجتماعهما على تصويب الواحد ، وذلك لأن الإجماع منعقد على أن المجتهد إذا ظن وجوب الفعل أو حرمته ، وجب اتباع ظنه ، فيلزم وجوب الفعل أو حرمته قطعا مع كونه ظانا بالوجوب أو الحرمة . فيلزم أن يكون الشيء [ ص: 314 ] الواحد معلوما مظنونا في زمان واحد .

            أجاب عنه بأنه لم يلزم كون الشيء الواحد معلوما مظنونا .

            وذلك لأن الظن يتعلق بأن الوجوب أو الحرمة هو الحكم المطلوب ، والعلم يتعلق بتحريم مخالفة ذلك الظن ، فاختلف المتعلقان .

            قوله : " فإذا تبدل الظن ، زال شرط المخالفة " إشارة إلى جواب دخل .

            توجيهه أن يقال : متعلق العلم أو الظن واحد ، وذلك لأنه إذا تبدل ظن الحكم ، زال العلم بتحريم مخالفته ، وهذا يدل على أن متعلقهما واحد .

            أجاب بأن الظن شرط العلم بتحريم المخالفة ، فإذا تبدل الظن ، زال شرط العلم بتحريم المخالفة ، فيزول العلم بتحريم المخالفة لزوال شرطه ، لا لأن متعلقهما واحد .

            فإن قيل : على تقدير تصويب الكل لم يلزم اجتماع النقيضين ; فإن متعلق العلم والظن مختلف ; لأن الظن متعلق بكون الدليل الذي أقامه المجتهد على الحكم دليلا ، والعلم متعلق بثبوت مدلوله ، وهو الحكم ، فاختلف المتعلقان .

            [ ص: 315 ] وزوال العلم عند تبدل الظن لا يوجب كون المتعلقين واحدا ; لأن الظن شرط العلم ، وتبدل الشرط يوجب زوال المشروط ، كما قررتم .

            أجاب بأن كون الدليل الذي أقامه المجتهد على الحكم دليلا ، هو أيضا حكم ، فإذا ظنه ، لزم أن يكون معلوما ; لأنه لو لم يكن معلوما ، لجاز أن يكون المتعبد به غيره ، فلا يكون كل مجتهد مصيبا ، وحينئذ يلزم أن يكون الدليل دليلا معلوما مظنونا في حالة واحدة وهو محال .




            الخدمات العلمية