الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل .

قال أحمد - في رواية عبد الله - : " ولا يتفلى المحرم ولا يقتل القمل ويحك رأسه وجسده حكا رفيقا ، ولا يقتل قمله ولا يقطع شعرا ، ويغتسل إن شاء ويصب على رأسه ، ولا يرجل شعره ولا يدهنه ، ولا يتداوى بما يأكل .

وكذلك قال - في رواية المروذي - : لا يتفلى المحرم ولا يقتل القمل ويحك رأسه وجسده حكا رفيقا ، ولا يقتل قملة ولا يقطع شعرا ، ويغتسل إن شاء ويصب على رأسه ، ولا يرجل شعره ولا يدهن ، ولا ينظر في المرآة ولا يصلح شيئا .

فأما التفلي : فهو استخراج القمل من بين الشعر والثياب ، فأما إن كان ظاهرا على البدن والثوب فألقاه .... ويحكه ; لأن حكه يذهب أذى القمل من غير قتل له ....

فأما الإدهان : فإن كان بدهن فيه طيب ، مثل دهن البنفسج والورد ونحو ذلك فحكمه حكم الطيب لا يجوز إلا لضرورة وعليه الفدية ، وإن كان غير مطيب ، مثل الشيرج ، والزيت ، فقال أبو بكر : قال أحمد : إن دهن رأسه بغير [ ص: 120 ] طيب كرهته ولا فدية ، فإن مكروهات الإحرام عند الحاجة تصير غير مكروه ولا فدية فيها بخلاف محظوراته ، فإنها إذا أبيحت لا بد فيها من فدية .

قال - في رواية عبد الله - لا يرجل شعره ولا يدهنه وكذلك قال - في رواية المروذي - لا يرجل شعره ولا يدهنه وكذلك قال الخرقي : لا يدهن بما فيه طيب وما لا طيب فيه .

وقال ويتداوى بما يأكل وهو يأكل الزيت والشيرج ونحوهما ، فعلم أنه يجوز أن يتداوى به من غير فدية ولا كراهة .

وقال - في رواية أبي داود - الزيت الذي يؤكل لا يدهن به المحرم رأسه ، فذكرت له حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ادهن بزيت غير مقتت ، فسمعته يقول المحرم الأشعث الأغبر .

وقال - في رواية الأثرم - وقد سئل عن المحرم يدهن بالزيت والشيرج ، قال : نعم يدهن به إذا احتاج إليه ويتداوى المحرم بما يأكل .

فرخص فيه بشرط الحاجة فعلم أنه مكروه بدونها ، وأنه ليس بمحرم إذ لو كان محرما بدون الحاجة لوجبت فيه الفدية مع الحاجة كالطيب .

فعلى هذا إن احتاج إلى الأدهان مثل أن يكون برجله شقوق أو بيديه ونحو ذلك جاز بغير كراهة ولا فدية ; لأنه يجوز أن يأكله . [ ص: 121 ] ولو كان بمنزلة الطيب لما جاز أكله وإن كانت الحاجة في رأسه مثل أن ينشق رأسه ونحو ذلك جاز أيضا على عموم كلامه ومقتضاه . وعموم كلامه - في رواية أبي داود - : يقتضي المنع من دهن رأسه به بكل حال .

وإن لم تكن به حاجة فقد نص على منع دهن رأسه - في رواية الجماعة - في معنى الرأس وأما دهن بشرته فعلى روايتين إحداهما : يكره أيضا ; لأنه قال - في رواية المروذي - لا يدهن وقال - في رواية الأثرم - يدهن به إذا احتاج إليه ولم يفصل ، وهذا قول ...

والثانية : أن المنع مختص بالرأس ; لأنه قال - في رواية عبد الله - لا يرجل شعره ولا يدهنه .

وقال - في رواية أبي داود - الزيت الذي يؤكل لا يدهن به المحرم رأسه وكذلك نقل أبو بكر عنه إن دهن رأسه بغير طيب كرهته ولا فدية وهذا قول .... وذلك لأن دهن الشعر يزيل شعثه ويرجله ويرفهه بخلاف دهن البشرة فإنه يوجب لصوق الغبار بها .

وأما طريقة القاضي وأصحابه فذكروا في الأدهان مطلقا روايتين سواء كان [ ص: 122 ] في الرأس أو في البدن إحداهما : الجواز في استعماله من غير فدية وهو اختياره واختيار أصحابه .

والثانية : المنع منه وعليه الفدية قالوا وهو اختيار الخرقي ، قال القاضي وقد يحتمل أن يكون منع منه على طريق الكراهة من غير الفدية .

فأما الدهن بالسمن والشحم وزيت البزر ونحو ذلك من الأدهان فهو بمنزلة الزيت والشيرج ، هذا هو المعروف في المذهب ، وكلام أحمد يعمه ، وذكر القاضي في بعض المواضع أن المنع إنما هو من الزيت والشيرج لأجل أنهما أصل الأدهان .

فأما دهن البان : فذكره أبو الخطاب من الأدهان غير المطيبة والذي يدل على أنه مكروه دون كراهة الطيب ما روى نافع قال : كان ابن عمر إذا أراد [ ص: 123 ] الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال : " هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم فعل " . رواه البخاري .

وعن مسلم البطين قال : كان حسين بن علي إذا أراد أن يحرم ادهن بالزيت وكان أصحابه يدهنون بالطيب .

وعن إبراهيم بن سعد قال : رأى عثمان بن عفان رجلا بذي الحليفة - وهو يريد أن يحرم ولم يحرم - مدهون الرأس فأمره أن يغسل رأسه بالطين . رواهما سعيد .

وعن علي : " أنه كان إذا أراد أن يحرم ادهن من دبة زيت " .

فادهانهم قبل الإحرام : دليل على أنه غير مشروع بعده ، وقد أخبر ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كان إذا أراد أن يحرم ادهن كما أخبرت عائشة أنه كان تطيب لحرمه قبل أن يحرم " .

وإنما اختلفوا في استبقائه فلما استبقاه ابن عمر وهو ممن لا يرى استبقاء الطيب علم أنه ليس مثله .

[ ص: 124 ] وأما للحاجة فروي عن مرة بن خالد الشيباني قال : " مررنا بأبي ذر الربذة - ونحن محرمون - في حج أو عمرة وقد تشققت أيدينا فقال : ادهنوا أيديكم .

وعن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول : " يتداوى المحرم بما يأكل ".

وعن مجاهد قال : " أصاب واقد بن عبد الله بن سالم في الطريق متوجها إلى مكة فكواه ابن عمر .

[ ص: 125 ] وعن الأسود بن يزيد وعطاء وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس : الرخصة في التداوي بالأدهان التي تؤكل في الإحرام .

وعن القاسم بن محمد أنه سئل عن امرأة تشتكي رأسها وهي محرمة ، فقال : يصب على رأسها زيتا نيا " . رواهن سعيد .

وعن عبد الله بن عمر أنه صدع بذات الجيش - وهو محرم - فقالوا - : " ألا ندهنك بالسمن " ، قال : لا ، قالوا : أليس تأكله ؟ قال : ليس أكله كالدهان به " . رواه سعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية