الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الفصل السادس )

أن السنة أن يرميها من بطن الوادي ، وهو الطريق يماني الجمرة ، هذا هو المذهب المعروف المنصوص ، قال عبد الله : قلت لأبي : من أين يرمى الجمار ؟ قال : من بطن الوادي .

وقال حرب : سألت أحمد : قلت : فإن رمى الجمرة من فوقها ؟ قال : لا ، ولكن يرميها من بطن الوادي ، قلت لأحمد : يكبر ؟ قال : يكبر مع كل حصاة تكبيرة ، قلت : بعد الرمي أو قبل الرمي ؟ قال : يرمي ويكبر.

وذكر القاضي عن حرب ، عن أحمد : لا يرمي الجمرة من بطن الوادي ، ولا يرمي من فوق الجمرة ، قال القاضي : يعني لا يرميها عرضا من بطن الوادي .

وقال ابن عقيل : إنما لم يستبطن الوادي ; لأنه أمر أن يرمى إليه لا فيه ، فإذا رمى فيه سقط وقوفه على ما علاه ، وسقط بعض ماحية بالرمي .

[ ص: 531 ] وهذا غلط على المذهب منشأه الغلط في نقل الرواية .

وقد ذكر القاضي - في موضع آخر - المذهب كما حكيناه ، ولعل سببه أن النسخة التي نقل منها رواية حرب كان فيها غلط ، فإني نقلت رواية حرب من أصل متقن قديم من أصح الأصول ، وكذلك ذكرها أبو بكر في الشافي ; لما روى قدامة بن عبد الله الكلابي : " أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك " رواه أحمد وابن ماجه والنسائي ، ولم يذكروا فيه من بطن الوادي .

وعن عبد الرحمن بن زيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود ، فأتى جمرة العقبة فاستبطن الوادي فاستعرضها فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة قال : فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن الناس يرمونها من فوقها ، فقال : [ ص: 532 ] هذا - والذي لا إله إلا هو - مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة " متفق عليه .

وفي رواية للبخاري : " فاستبطن الوادي حتى إذا حاذى الشجرة اعترضها فرماها بسبع حصيات ، فكبر مع كل حصاة ، ثم قال : من هاهنا - والذي لا إله غيره - قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة " .

وفي رواية لأحمد : " أنه انتهى إلى جمرة العقبة ، فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات ، وهو راكب يكبر مع كل حصاة ، وقال : اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ، ثم قال : هاهنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة " .

وفي حديث جابر : " أنه رمى من بطن الوادي " ، وكذلك في عدة أحاديث ولا معدل عن السنة الصحيحة الصريحة ، أم كيف يجوز أن ينسب إلى أحمد أنه قال : لا ترمي من بطن الوادي ، وهو أعلم الناس بسنته وأتبعهم لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية