الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 61 ] وبفرع في ، لا آكل من كهذا الطلع ، أو هذا الطلع ، [ ص: 62 ] أو طلعا إلا نبيذ زبيب ، ومرقة لحم ، أو شحمه ، وخبز قمح وعصير عنب وبما أنبتت الحنطة إن نوى المن ، لا لرداءة أو لسوء صنعة طعام [ ص: 63 ] وبالحمام في البيت ، أو دار جاره ، أو بيت شعر ، كحبس أكره عليه بحق ، [ ص: 64 ] لا بمسجد ، وبدخوله عليه ميتا في بيت يملكه ، لا بدخول محلوف عليه إن لم ينو المجامعة ، وبتكفينه في لا نفعه حياته

التالي السابق


( و ) حنث إن لم تكن له نية ( ب ) أكل ( فرع ) متأخر عن اليمين ( في ) حلفه على عدم أكل أصله إن أتى في يمينه بمن واسم الإشارة كحلفه ( لا آكل من كهذا الطلع ) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام أول أطوار ثمر النخل فيحنث بكل فرع نشأ منه كبسره ورطبه وتمره وعجوته وعسله ، وأدخلت الكاف القمح واللبن ونحوهما من كل أصل ، فإن قال لا آكل من هذا القمح فيحنث بدقيقه وسويقه وخبزه وكعكه وأطريته وخشكنانه ونحوها من كل ما تفرع عنه . وإن قال من هذا اللبن حنث بزبده وسمنه وجبنه وأقطه ونحوها من فروعه . فإن قال من طلع هذه النخلة أو لبن هذه الشاة حنث كل فرع لها متقدم أو متأخر .

( أو ) حلفه لا آكل ك ( هذا الطلع ) بإسقاط من والإتيان باسم الإشارة فيحنث بكل فرع له كإتيانه بمن واسم الإشارة معا قاله ابن بشير ، وتبعه ابن الحاجب والمصنف ، ومذهب ابن القاسم أنه لا يحنث بالفرع إلا في صورة الإتيان بهما معا . والعجب منه أنه اعترض في توضيحه على ابن الحاجب بمذهب ابن القاسم وتبعه هنا ، ونصه عقب قول ابن الحاجب لو قال هذا الطلع وهذا الرطب وهذا اللحم حنث على المشهور ما شهره المصنف لم أر من شهره غير ابن بشير ذكر أنه المذهب وفيه نظر لأنه إنما هو معزو لابن حبيب ، والذي لأبي الحسن خلافه ، لكن قال عبد الحق هو أقيس مما ذكر عن ابن القاسم والله أعلم ،

وحاصل تحصيل أبي الحسن عن ابن القاسم الحنث في من هذا فقط لا في هذا بدون من ا هـ . كلام التوضيح فما ذكره هنا اعتمد فيه قول ابن بشير أنه المذهب ، ولم يعتمد بحثه لكن ظاهره أن ابن بشير قال بالحنث مطلقا مثل ما فيه من وليس كذلك ، بل إنما قال بالحنث فيما قرب من الأصل جدا إلا فيما بعد انظر كلامه في المواق . [ ص: 62 ] لا ) يحنث بالفرع في حلفه لا آكل ( الطلع ) بإسقاط من واسم الإشارة مع التعريف ( و ) حلفه لا آكل ( طلعا ) بحذفهما مع التنكير ، وكذا من الطلع أو من طلع بالإتيان بمن وإسقاط اسم الإشارة معرفا ومنكرا ، وأما حنثه في هذه الخمس بنفس المحلوف عليه فظاهر ، واستثنى خمس مسائل يحنث فيها بما تولد من المحلوف عليه مع حذف من واسم الإشارة لقربها من أصلها قربا قويا فقال ( إلا نبيذ زبيب ) فيحنث بشربه في لا آكل الزبيب أو زبيبا ( ومرقة لحم ) فيحنث بشربها في لا آكل اللحم أو لحما ( أو شحمه ) في لا آكل اللحم أو لحما فيحنث به وأعاد هذه لجمع النظائر ( و ) إلا ( خبز قمح ) في لا آكل القمح أو قمحا ( و ) إلا ( عصير عنب ) في لا آكل العنب أو عنبا وهذه تفهم من نبيذ الزبيب بالأولى لأن عصير العنب أقرب إليه من قرب النبيذ إلى زبيبه .

( و ) حنث ( ب ) أكل ( ما ) أي القمح الذي ( أنبتت ) هـ ( الحنطة ) المحلوف على عدم أكلها سواء أتى بمن واسم الإشارة معا أو أسقطهما معا ، أو أتى بأحدهما وأسقط الآخر عرف أو نكر ، وكذا ما اشترى بثمنها ( إن نوى ) بيمينه أن يقطع ( المن ) بفتح الميم وشد النون عنه بذلك من المحلوف عليه بأن قال له لولا أنا أطعمك ما عشت ( لا ) يحنث بما أنبتت الحنطة أو اشترى بثمنها في حلفه على عدم أكلها ( لرداءة ) فيها ( أو ) حلف على عدم أكلها ( لسوء صنعة طعام ) فجود له فأكله فلا يحنث ، وكحلفه للرداءة أو سوء الصنعة حلفه بلا نية . وشمل الثلاثة مفهوم إن نوى المن فلا يحنث فيها بالنابت ، ولو أتى بمن واسم الإشارة معا لأن النابت غير المحلوف عليه لذهابه في الأرض ، ويدل قوله تعالى { كمثل حبة أنبتت سبع سنابل } ، ففرق بين هذه وبين قوله وبفرع إلخ . [ ص: 63 ] و ) حنث ( ب ) دخول ( الحمام ) بشد الميم أي البيت المعد للحموم بالماء الحار ( في ) حلفه على عدم دخول ( البيت ) أو لا أدخل على فلان بيتا فدخل عليه الحمام لخبر { اتقوا بيتا يقال له الحمام } . والظاهر أن مثله بيت القهوة والوكالة والحانوت والفرن والمعصرة والمجبسة إذا لم يجر العرف بتخصيص البيت بموضع السكنى بالزوجات ، وهذا عرف أهل مصر الآن .

( أو ) بدخول الحالف على المحلوف عليه في ( دار جاره ) أي الحالف في حلفه لا أدخل عليه بيتا ، ونص الأمهات قال سحنون قلت لابن القاسم : أرأيت لو أن رجلا حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل الحالف على جار له بيته فإذا فلان المحلوف عليه في بيت جاره ذلك أيحنث أم لا ؟ قال نعم يحنث . ا هـ . والجار فرض مسألة إذ يحنث باجتماعه معه في ظل جدار أو شجرة إن كانت يمينه بغضا له أو لسوء عشرته قاله ابن القاسم . ابن حبيب وبوقوفه معه في صحراء إذا كانت تلك نيته أو لم يكن له نية . قيل ولا ينبغي عده خلافا فيمن نوى ذلك ويحنث إذا حلف لا أدخل على فلان بيته فدخل دار جاره فوجده عنده لأن للجار على جاره من الحقوق ما ليس لغيره فأشبه بيته بيته ولأن الجار لا يستغني عن دار جاره غالبا .

( أو ) بدخول أو سكنى ( بيت شعر ) بفتح المعجمة في حلفه لا دخل أو سكن بيتا ، بدويا كان الحالف أو حضريا كما في المدونة ، أو حلفه لا أدخل على فلان بيتا فدخل بيت شعر فيحنث لقول الله تعالى { بيوتا تستخفونها } إلا لنية أو بساط يخصه ببيت البناء كسماعه بانهدام بيت على قوم فقتلهم لا يحنث ببيت الشعر .

وشبه في الحنث فقال ( ك ) دخوله على المحلوف عليه في ( حبس ) بفتح فسكون أي موضع معد للسجن ( أكره ) بضم الهمز وكسر الراء أي الحالف ( على ) دخول ( هـ بحق ) [ ص: 64 ] عليه امتنع من توفيته فيحنث به في حلفه لا أدخل على فلان بيتا لأن إكراه الشرع طوع ، وكذا إن حلف لا أدخل بيتا فأكره على دخول حبس بحق ( لا ) يحنث ( ب ) دخول ( مسجد ) عام في حلفه لا أدخل على فلان بيتا ، أو لا أدخل بيتا لأنه لما كان مطلوبا بدخوله شرعا صار كأنه غير مراد للحالف ، فإن كان المسجد محجورا حنث بدخوله .

( و ) حنث ( بدخوله ) أي الحالف ( عليه ) أي المحلوف عليه حال كونه ( ميتا ) قبل دفنه ( في ) حلفه على عدم دخوله عليه في ( بيت يملكه ) ذاتا أو منفعة ، أو حلفه لا أدخل عليه بيتا حياته أو أبدا أو ما عاش لأن له فيه حقا يجري مجرى الملك وهو تجهيزه به إلا لنية الحياة الحقيقية ، فإن دفن به لم يحنث بدخوله بعد دفنه .

( لا ) يحنث الحالف لا أدخل على فلان ( بدخول ) شخص ( محلوف عليه ) على الحالف ولو استمر الحالف جالسا معه لأنه لا يعد دخولا منه كما تقدم في قوله لا في كدخول خلافا لابن يونس عن بعض أصحابه قال : ينبغي على قول ابن القاسم أن لا يجلس بعد دخول المحلوف عليه ، فإن جلس وتراخى حنث ، وصار كابتداء دخوله وهو عليه قياس على قول ابن القاسم فيمن حلف لا يأذن لزوجته في الخروج فخرجت بغير إذنه وعلم به ولم يمنعها فجعل علمه وتركها إذنا منه . الحط وفيه نظر ; لأنه قد تقدم أنه لا يحنث باستمراره في الدار إذا حلف لا أدخلها وكذلك هنا إنما حلف على الدخول ( إن لم ينو ) الحالف أن يقطع ( المجامعة ) أي الاجتماع مع المحلوف عليه في محل ، وإلا حنث بمجرد دخول المحلوف عليه على الحالف ، وإن لم يجلس عقب دخوله عليه .

( و ) حنث ( بتكفينه ) أي إدراج الحالف المحلوف عليه في كفنه وأولى بإتيانه له بكفن من ماله ( في ) حلفه ( لا نفعه ) أي الحالف المحلوف عليه ( حياته ) أي المحلوف [ ص: 65 ] عليه أو ما عاش أو أبدا أو لا أدى إليه حقا ما عاش . ومثل تكفينه تغسيله وتخليصه ممن يشتمه وثناؤه عليه في خطبة نكاح أراد نفعه به ، لا إن قصد إيقاعه فيه لضرر يحصل له به ولا يحنث ببقية مؤن تجهيزه غير ما ذكر ولا بصلاته عليه كما هو ظاهر كلامهم ، وإن كان من نفعه ; لأنها من تعلقات الآخرة . فإن حلف لا نفعه ولم يقل حياته حنث بكل ما يفعله من مؤن تجهيزه ودفنه فيما يظهر أفاده عب .

البناني قوله لا يحنث ببقية مؤن تجهيزه فيه نظر ، قال المسناوي بل الظاهر حنثه بها وأن جميعها من توابع الحياة ، وقوله ظاهر كلامهم أي حيث مثلوا بالتغسيل والتكفين وسكتوا عما عداهما ، ومثل هذا لا يتمسك به ; لأن العلة تقتضي التعميم . ا هـ . وهو ظاهر ، وما ذكره من حنثه بتخليصه ممن شتمه صوابه ممن تشبث به لقول ابن عرفة . ابن الماجشون لو نهى عنه شاتمه لم يحنث ويحنث بتخليصه ممن وجده متشبثا به .




الخدمات العلمية