الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 52 ] وبعزمه على ضده

[ ص: 52 ]

التالي السابق


[ ص: 52 ] و ) حنث ( بعزمه ) أي الحالف ( على ضده ) أي المحلوف عليه في يمين الحنث لا في يمين البر خلافا للشارح قاله عب . طفي لم أر هذا الفرع منصوصا عليه بعينه لأحد من المتقدمين ، ولذا كل من تكلم عليه ممن يعتد به من شراحه إنما فسروه بجواز تقديم الكفارة قبل الحنث كالشارح وابن غازي والمواق ، وتبع المصنف فيما قال القرافي قال في مدارك البر والحنث . السادس العزم على عدم الفعل ، وهي على حنث . ا هـ . وجرى على هذا في كفاية اللبيب في كشف غوامض التهذيب ، فاستشكل قوله في كتاب النذور من قال لامرأته : أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها طلقة ثم يرتجعها فتزول يمينه .

ولو ضرب أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل الأجل ، وإنما يحنث إذا مضى الأجل ، ولم يفعل ما حلف عليه ا هـ . قوله فأراد إلخ هذه المسألة من مشكلات المدونة ، فإن الطلاق إنما يلزم بعدم التزويج فالطلاق المعجل لا يحل اليمين ، وإنما مبنى هذه المسألة أنه عزم على عدم الزواج فعزمه هذا هو حنثه فيلزمه طلقة بحنثه لا أنه ينشيها ، والعزم على عدم الفعل كعدم الفعل . ففي الجواهر إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي يكون مظاهرا عند اليأس ، أو العزم على عدم التزويج ، فجعل العزم يقوم مقام تعذر الفعل ، فقوله في الكتاب طلقها معناه تسبب في طلاقها لعزمه . ا هـ . وفيه نظر ولا معتمد له سوى كلام الجواهر . وقد قال ابن عرفة فيه لا أعرفه ، وقد تبع ابن الحاجب والمصنف صاحب الجواهر في باب الظهار ، وأبقى ابن يونس وأبو الحسن وابن عرفة وجميع من تكلم عليها أو نقل كلامها على ظاهره ، فدل على أن العزم بمجرده لا يوجب حنثا ، ولو كان يوجبه ما احتاجوا إلى تحنيثه بتطليق زوجته في حلفه بطلاقها ليتزوجن عليها ، وعباراتهم كلهم : له أن يحنث نفسه ويطلقها فيلزم القرافي أن يستشكل جميع كلام أهل المذهب .

ويدل لما قلناه قول القلشاني في شرح الرسالة : من حلف بالطلاق ليفعل كذا ثم عزم على عدم الفعل ثم أراد أن يفعل فهل يلزمه الحنث بعزمه أو لا على ترك الفعل أو لا ، نقل [ ص: 53 ] ابن الحاجب في كتاب الظهار حنثه بعزمه ، وقال ابن عرفة مقتضى المذهب خلافه فلو كانت المسألة منصوصة ما خفيت عليه والله أعلم . وكتب بعضهم ما نصه حيث كانت عباراتهم ما ذكر فذاك أدل دليل على ما قاله القرافي فهو موافق لكلامهم لأنه لا معنى لتحنيثه نفسه إلا عزمه على عدم الفعل ، فالعزم حنث وهو المطلوب على أنه قد صرح ابن المواز بمثل ما قاله القرافي ، ونص ابن عرفة ابن حارث اتفقوا في ذات الحنث على جوازها قبله إن عزم على عدم البر ، وفي ذات البر على استحباب تأخيرها عنه . محمد معنى إجزائها قبله أنه حنث بعزم ا هـ طفي . والمشهور عند ابن رشد وغيره أن التكفير قبل الحنث يجوز في اليمين بالله مطلقا كانت على بر أو حنث ، وفي غيرها إن كانت على حنث لا إن كانت على بر إلا إذا كان الطلاق آخر الثلاث أو العتق في معين .

واعلم أن كلام المدونة خلاف المشهور المتقدم عن ابن رشد وغيره قال فيها من قال لزوجته : أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها طلقها واحدة ثم يرتجعها فتزول يمينه ، ولو ضرب أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبله ، وإنما يحنث إذا مضى ولم يفعل . ا هـ . فأنت ترى مذهبها في صيغة الحنث جواز التحنيث قبل الفعل إذا لم يؤجل وإلا فلا كصيغة البر ، هذا في غير اليمين بالله ، وأما هي فله التكفير في البر قبل الحنث والأولى بعده ، وفي الحنث إن لم يؤجل وإلا فلا .

ولما نقل المواق كلام التهذيب المتقدم ونقل أيضا قوله من قال والله لأفعلن كذا فإن ضرب أجلا فلا يكفر حتى يمضي الأجل ا هـ . وقال قبله قال ابن القاسم فيها من حلف بالله فأراد أن يكفر قبل الحنث فأما في يمينه لا أفعل كقوله والله لا أكلم زيدا فأحب إلي أن يكفر بعد الحنث ، فإن كفر قبله أجزأه وكذا في يمينه لأفعلن كقوله لأضربنه أو لأكلمنه ولم يؤجل فله أن يكفر ولا يفعل ، وإن أجل فلا يكفر حتى يمضي ا هـ . قال فحصل أن مذهبها أن الحالف بالله إن كان على بر فله أن يكفر قبل حنثه والأولى بعده ، [ ص: 54 ] وإن كان على حنث فإن لم يؤجل فله أن يكفر ولا يفعل ، وإن أجل فلا حتى يمضي . وقد نقل ابن عرفة كلامها وأبقاه على ظاهره ، وكذا أبو الحسن قائلا في قولها من قال والله لأفعلن كذا فإن أجل فلا يكفر حتى يمضي . ا هـ . المشهور عدم الإجزاء ، وقيل يجوز تقديم الكفارة . ا هـ . فعلى هذا يقيد المشهور الذي ذكره ابن رشد وغيره بكلامها فتوافقه ، وإن أطلقه الناقلون .

وقد لخص الحط مسائل التكفير قبل الحنث ونظمها ولم يذكر تفصيلها ولا أشار إليه بحال وقد حققنا لك المسألة بما لا مزيد عليه والله الموفق . وقيد الحط وسالم وعج قول المصنف وبعزمه على ضده بصيغة الحنث وأبقوه على ظاهره تقليدا منهم للقرافي ، وقد علمت ما فيه فلا تغتر بما قالوه وكن ممن يعرف الحق بنفسه لا بتقليد الرجال ، وقد تورك الزرقاني على المصنف بقوله ظاهره أنه يحنث بمجرد العزم والذي فيها ومن قال لامرأته : أنت طالق إلخ ، ومقتضاه أنه لا يقع الطلاق بمجرد العزم .

بعض شيوخنا وإذا لم يحنث بالعزم في الطلاق فأولى اليمين بالله ا هـ . البناني نعم المذهب عدم الحنث بالعزم لما نقله المواق هنا عن ابن رشد ونصه : انظر لو حلف بالطلاق والمشي والصدقة ليتزوجن عليها . ابن رشد إن أراد إذا حلف بجميع ذلك أن يحنث نفسه في الطلاق فقط فيطلق واحدة ليرتجع ويطأ كان له ذلك ، فإن بر بالتزويج قبل الموت سقط عنه المشي والصدقة ، وإن لم يبر حتى مات فالصدقة في ثلثه لأن حنثه إنما وجب بموته ا هـ .

ولما في آخر مسألة من سماع أبي زيد من كتاب الظهار حيث قال فيمن قال : إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي ، ثم أراد أن يكفر ليحل اليمين فابتدأ الكفارة ، فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج عليها قال : إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة ، هذا كلام السماع ومثله في كلام ابن رشد ، وهو صريح في أنه لا يحنث بالعزم إذ لو حنث به ما سقطت عنه الكفارة بالتزويج والله أعلم .




الخدمات العلمية