الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 692 ] ولا مخالف في دين كمسلم مع مرتد أو غيره ، [ ص: 693 ] وكيهودي مع نصراني ، وسواهما ملة

التالي السابق


( ولا ) يرث شخص ( مخالف ) للميت ( في دين ) فلا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما ، لخبر { لا توارث بين ملتين } ، ومثل لذلك فقال ( كمسلم مع ) قريب أو زوج أو مولى ( مرتد ) عن دين الإسلام بعد تقرره له ( أو ) مسلم ( مع ) كافر قريب أو زوج أو مولى ( غيره ) أي المرتد كيهودي أو نصراني أو مجوسي " غ " . إن كان أراد بغيره الزنديق والساحر كما قيل على قول الأكثر وهي رواية ابن نافع ، ويعضده قوله في توضيحه تبعا لابن عبد السلام والأظهر رواية ابن نافع إلا أنه خلاف قوله قبل في باب الردة ، وقتل المستسر بلا استتابة إلا أن يجيء تائبا وماله لورثته ، وهذه رواية ابن القاسم ، ولا ينبغي العدول عنها .

طفي عرض بالشارح فإنه نقل الخلاف في الزنديق والساحر ، وعزا عدم إرثهما للأكثر ، ثم قال ولهذا قال مع مرتد أو غيره ليتناولهما ، وذكر رواية ابن القاسم ثم قال [ ص: 693 ] ابن رشد رواية ابن القاسم تقتضي أنه يقتل حدا ورواية ابن نافع تقتضي أنه يقتل كفرا يعني الزنديق ، وعبارة الشارح يتناول أحسن من عبارة ابن غازي إن كان أراد بغيره إلخ ، إذ لا شك أن كلام المصنف يشمل الكافر أصالة مع المسلم ، وإلا بقي عليه ، ولذا قال عج يحتمل بقاؤه على ظاهره من شموله الزنديق فيوافق رواية ابن نافع ، ويحتمل تخصيصه بغير الزنديق بقرينة ما قدمه في الردة فيوافق رواية ابن القاسم . ابن رشد قول ابن القاسم وروايته عن مالك أظهر من قول مالك في رواية ابن نافع رضي الله تعالى عنهم .

( وكيهودي مع ) قريب أو زوج أو مولى ( نصراني وسواهما ) أي اليهودية والنصرانية من أنواع الكفر كله ( ملة ) بكسر الميم وشد اللام واحدة . ابن يونس عن أهل المدينة المنورة بأنوار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن الإسلام ملة واليهودية ملة ، والنصرانية ملة ، والمجوسية وما سواها ملة ; لأنهم لا كتاب لهم . ابن يونس وهو الصواب ، وعزاه ابن عبد السلام والمصنف للإمام مالك رضي الله تعالى عنه ، لكن كلام ابن مرزوق يفيد أن المعتمد أن غير اليهودية والنصرانية ملل وهو ظاهر نص الأمهات ونص المدونة ولا يتوارث أهل الملل من أهل الكفر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم ، ولا يتوارث أهل ملتين شيئا } . ابن شاس لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين اليهود والنصارى ، ولا بين أهل ملة وأهل ملة أخرى إن تحاكموا إلينا ، وفي التلمسانية :

أجل ولا ميراث بين ملتين وإن يكن هذا وهذا كافرين



العصنوني اختلف العلماء في الكفار المختلفة أديانهم هل هم أهل ملة واحدة فيتوارثون فيما بينهم أو أهل ملل فلا يتوارثون ، وبهذا قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وأهل المدينة رضي الله تعالى عنهم محتجين بقوله تعالى { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا } ووجه الاحتجاج به والله أعلم عطف بعضها على بعض ، فدل على أنها ملل لاقتضائه المغايرة وبقوله تعالى { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء } الآية . [ ص: 694 ] وبحديث { لا ميراث بين ملتين } ، وبقول عمر رضي الله تعالى عنه لا نرث أهل الملل ولا يرثونا ، وبالأول قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وابن شبرمة رضي الله تعالى عنهم ، فعلى قولهم يرث اليهودي النصراني والمجوسي وبالعكس ا هـ .

الفاسي اختلف في الكفر بالنسبة للتوارث هل هو ملل أو ملة واحدة ، والأول لأهل المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام . ابن شعبان القولان مدنيان وهما للإمام مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما إلا أن مالكا رجع إلى أنه ملل وبه ، أخذ أصبغ ، ثم اختلف القائلون إنه ملل ، فحكى ابن القصار عن شريح وابن أبي ليلى وشريك بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أنهم قالوا اليهودية ملة ، والسامرية ملة ، والنصرانية ملة ، والصابئية ملة ، والمجوسية وسائر الأديان ملة . وابن يونس عن أهل المدينة على صاحبها صلوات الله تعالى وسلامه عليه أن الإسلام ملة واليهودية ملة والنصرانية ملة وما عداها ملة واحدة وصوبه .




الخدمات العلمية