الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 467 ] ومهر المثل ما يرغب به مثله فيها : باعتبار دين ، وجمال ، وحسب ، ومال ، وبلد ، وأخت شقيقة أو لأب ; لا الأم ، والعمة [ ص: 468 ] وفي الفاسد يوم الوطء

التالي السابق


( ومهر ) بفتح الميم أي صداق ( المثل ) بكسر فسكون ( ما ) أي القدر الذي أو قدر من المال ( يرغب ) أي يرضى ( ب ) دفع ( هـ مثله ) أي الزوج في الغنى والفقر والتوسط بينهما والقرابة والأجنبية والشرف والخسة والحسب والنسب ، قال في المدونة وينظر ناحية الرجل فقد يزوج فقير لقرابته وأجنبي لماله فليس صداقهما سواء ومثله لابن الحاجب ( في ) تزوجه مثل ( ها ) أي الزوجة ( باعتبار ) أي النظر إلى ( دين ) كإسلام ويهودية ونصرانية ومحافظة على امتثال المأمورات واجتناب المنهيات وعدمها ( وجمال ) ظاهري وباطني كحسن خلق وعدمه ( وحسب ) أي ما يحسب في المفاخرة من صفات الأصول كعلم وكرم وشجاعة ومروءة ، وهذا في المسلمة . وأما الكتابية فيعتبر فيها المال والجمال لا التدين أو الحسب ، حيث كان أصولها كفارا ، وكذا الأمة المسلمة ( ومال ) لها ( وبلد ) لها لا لعقد عليها من مصر وريف وبدو زاد الباجي وزمن .

( و ) مهر ( أخت شقيقة أو لأب ) موافقة لها في الصفات المتقدمة لا أخت لأم من نسب آخر ( لا ) باعتبار مهر ( الأم و ) لا مهر ( العمة ) أي أخت أبيها من أمه ، وأما شقيقته وأخته من أبيه فيعتبر مهرهما . ابن غازي لفظ العمة معطوف على أخت وكأنه قال وعمة شقيقة أو لأب ، فإنها معتبرة بخلاف الأم إن لم تكن من نسب الأب ، وبهذا يوافق ما لابن رشد في رسم الطلاق من سماع القرينين ، ولم أعلم أحدا فرق بين الأخت والعمة ا هـ .

إن قيل إن كانت أختها مثلها أغنى عنها ما تقدم وإلا ناقضه ، قيل هذا كالقيد فيما تقدم فهو من جملة الصفات التي يعتبر بها صداق المثل كما يفيده كلام ابن رشد ، إذ قال

[ ص: 468 ] المعتبر أختها وعمتها إذا كان صداقهما أكثر من صداق مثلهما من قوم آخرين . ا هـ . أي إذا كان للمرأة أمثال في الأوصاف المذكورة من قبيلتها وأمثال كذلك من غير قبيلتها اعتبر فيها ما يتزوج به أمثالها من قبيلتها ، وإن زاد على صداق مثلها من غير قبيلتها أو نقص ، انظر ابن عرفة . وفي الحط عن ابن رشد مذهب مالك رضي الله تعالى عنه أن يعتبر في فرض صداق المثل في نكاح التفويض بصدقات نسائها إذا كن مثل حالها من العقل والجمال والمال .

ولا يكون لها مثل صداق نسائها إذا لم يكن على مثل حالها ولا مثل صداق من لها مثل حالها إذا لم يكن لها مثل نسبها . ودليل هذا من مذهبه قوله فيها وينظر إلى أشباهها في قدرها وجمالها وموضعها ، أي من النسب فاشتراطه الموضع يدل على أنه أراد بقوله فيها لا ينظر في هذا إلى نساء قومها أنه لا يفرض لها مثل صدقات نساء قومها إذا لم يكن على مثل حالها من الجمال والمال والعقل ، فالاعتبار عنده بالوجهين جميعا إذ قد تفترق الأختان في الصداق كما قال فيها بأن يكون لإحداهما الجمال والمال والشطاط ، والأخرى ليس لها من هذا ، فمعنى قوله في هذه الرواية لا يقضى لها بصداق واحدة منهما يريد به إذا لم تكن على مثل حالها وفي زمنها أيضا إذ قد يختلف الصداق باختلاف الأزمنة على ما قال ، وقد تأول بعض الناس على مالك رضي الله تعالى عنه أنه إنما ينظر إلى أمثالها من النساء في جمالها ومالها وعقلها ، ولا ينظر إلى نساء قومها ، وليس ذلك بصحيح على ما بيناه من مذهبه فيها من رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح الثاني .

( و ) اعتبر في تقدير مهر المثل ( في ) النكاح ( الفاسد ) سواء كان نكاح تفويض أو تسمية ( يوم الوطء ) لا يوم العقد لأنه معدوم شرعا وهو كالمعدوم حسا ابن غازي شامل لكل نكاح فاسد كقول الجواهر والوطء في النكاح الفاسد يوجب صداق المثل باعتبار يوم الوطء لا يوم العقد ، وهذا مقتضى تقرير ابن عبد السلام . قول ابن الحاجب ومهر المثل [ ص: 469 ] في الفاسد يوم الوطء إلا أن المصنف في التوضيح خصصه بنكاح التفويض ، فقال يعني أن نكاح التفويض الفاسد بخلاف الصحيح ، فإنه يعتبر فيه مهر المثل يوم عقده والفاسد يعتبر فيه يوم وطئه ، واستغنى ابن الحاجب عن ذكر حكم الصحيح بالمفهوم على ما علم من عادته وظاهر المذهب كمفهوم كلامه .

وقيل في الصحيح يوم البناء إن دخل ويوم الحكم إن لم يدخل وبنوا هذا الاختلاف على الاختلاف في هبة الثواب إذا فاتت ، فهل قيمتها يوم القبض أو يوم الهبة ، وفرقوا هنا على المشهور كما فرقوا بين صحيح البيع وفاسده . ابن عرفة عياض اضطرب الشيوخ في وقت فرض المهر أو يوم العقد إذ به يجب الميراث أم يوم الحكم إن كان النظر قبل البناء إذ لو شاء طلق ، ولا يلزمه شيء ، وأما بعد البناء فيوم الدخول ، وأما مهر المثل في الفاسد فيفرض يوم الوطء اتفاقا .




الخدمات العلمية