الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      تصدق بصدقة وجعلها على يدي رجل فأراد المتصدق عليه أن يقبضها في الرجل يتصدق على الرجل المرضي بالصدقة ويجعلها له على يدي رجل فيريد المتصدق عليه أن يقبضها قلت : أرأيت إن تصدقت على رجل بدراهم ، والرجل الذي تصدقت بها عليه [ ص: 430 ] مرضي في نفسه ، ليس بسفيه ولا محجور عليه ، فتصدقت عليه بدراهم وجعلتها على يدي غيره وهو معي حين تصدقت ، فجعلتها على يدي من أعلمتك - والمتصدق عليه يعلم ذلك - فلم يقم على صدقته حتى مت أنا ، أيكون له أن يقبضها بعد موتي أم قد صارت لورثتي ; لأنه لم يحز صدقته ؟ .

                                                                                                                                                                                      قال : إذا لم يشترط المتصدق على الذي جعلها على يديه أن لا يدفعها إلى المتصدق عليه إلا بإذني ، فللمتصدق عليه أن يقبض صدقته بعد موت المتصدق ; لأن المتصدق عليه لو شاء أخذ صدقته وإنما تركها في يدي رجل قد حازها له ، ولو أراد المتصدق أن يأخذها بعدما تصدق بها وجعلها على يدي هذا الذي حازها للمتصدق عليه ، لم يكن لرب الصدقة أن يأخذها إن لم يشترط على الذي جعلها على يديه أن لا يدفعها إلا بإذنه ، فإن كان اشترط ما أخبرتك فلا صدقة له .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : سئل مالك عن الرجل يدفع إلى الرجل الدنانير يفرقها في سبيل الله ، أو يدفعها إلى المساكين - والدافع صحيح سوي - فلا يقسمها الذي أعطيها حتى يموت الذي أعطاها .

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : إن كان أشهد حين دفعها إلى من أمره بتفريقها فقد جازت وهي من رأس المال ، فهذا يدلك على مسألتك .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : وإن كان لم يشهد حين دفعها إليه وأمره بتفرقتها ، فما بقي منها يوم يموت المعطي رده إلى الورثة ولا ينفقه فيها ما أمره بها . فإن فعل ضمن ; لأنه قد صارت للورثة .

                                                                                                                                                                                      ومن ذلك أن الرجل يحبس الحبس فيجعله على يد رجل ، وإن كان الذي حبس عليهم كبارا فيجوز ذلك . ألا ترى أن أحباس من مضى عمرى وغيره إنما كانت في يدي من جعلوها على يديه يجرون غلتها فيما أمروا بها فكانت جائزة وكانت مقبوضة .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية