الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4547 ص: فمما روي في ذلك ما حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، -رضي الله عنها-، عن النبي -عليه السلام- قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله وباليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج؛ فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا". .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فمما روي في الأمر بالإحداد على الزوج أربعة أشهر وعشرا: حديث عائشة.

                                                أخرجه بإسناد رجاله كلهم رجال الصحيح.

                                                وسفيان هو ابن عيينة ، والزهري هو محمد بن مسلم .

                                                وأخرجه مسلم : نا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب -واللفظ ليحيى- قال يحيى: أنا: وقال الآخرون: ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة، عن النبي -عليه السلام-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوجها".

                                                وأخرجه النسائي : عن إسحاق بن إبراهيم ، عن سفيان ، عن الزهري ... إلى آخره.

                                                قوله: "أن تحد" في محل الرفع، و"أن" مصدرية، والتقدير: لا يحل الإحداد وهو الامتناع عن الزينة والطيب، وقد مر تفسيره مستقصى عن قريب وهو بضم التاء وكسر الحاء؛ لأنه من أحدت تحد إحدادا، ويجوز بفتح التاء وضم الحاء من حدت تحد حدادا، والأول أكثر.

                                                [ ص: 157 ] قوله: "أربعة أشهر وعشرا" هذا لفظ عدد المؤنث، ولو كان هذا على ظاهره لاختصت به الليالي، وقال المبرد: أنث العشر؛ لأنه أراد به المدة، وقيل: أراد بذلك الأيام بلياليهن، وإلى هذا ذهب كافة العلماء أنها عشرة أيام بعد أربعة أشهر، وقال الأوزاعي ويحيى بن أبي كثير: إنها أربعة أشهر وعشر ليال، وأن المعتدة تحل في اليوم العاشر، وحجتهما تأنيث العشر، والأصح قول الجمهور: إنها لا تحل حتى تدخل ليلة الحادي عشر.

                                                قوله: "عشرا" نصب على الظرف، والعامل فيه "تحد"، وقال القاضي: وقد احتج قوم بقوله: "أربعة أشهر وعشرا" على أن ما زاد على العدد إذا كانت حاملا لا يلزم فيه إحداد، وقد قال أصحابنا: عليها الإحداد حتى تضع وإن تمادى أمرها، وقال ابن حزم: إن كانت عدة المتوفى عنها وضع حملها فلا بد لها من الإحداد أربعة أشهر وعشرا، ولا يجب عليها بعد ذلك.

                                                وقال القاضي: وفي قوله: "لا يحل لمؤمنة" حجة؛ لأحد القولين لمالك: إن الإحداد يختص بالمؤمنات دون الكتابيات؛ إذ ظاهره اختصاصه بالمؤمنات، وعلى قوله الآخر: إن الإحداد يلزم الكتابيات يكون هذا القول على التغليظ للمؤمنات.

                                                وبالقول الأول قال أبو حنيفة والكوفيون وابن نافع وابن كنانة وأشهب من أصحابنا.

                                                وبالثاني قال الشافعي وعامة أصحابنا.

                                                وقال القاضي أيضا: وفي عمومه دليل على وجوب الإحداد لجميع الزوجات، المدخول بها وغيرها، والصغائر والكبائر، والإماء والحرائر، وأجمعوا أنه لا حداد على أمة أو أم ولد إذا توفي عنهن ساداتهن، وهو قول كافة العلماء في جميع ما ذكرناه.

                                                وقال أبو حنيفة: لا إحداد على الأمة ولا على الصغيرة، ولا خلاف في أن المطلقة واحدة لا إحداد عليها، واختلف في الإحداد على المطلقة بثلاث، فمذهب [ ص: 158 ] مالك والليث والشافعي وربيعة وعطاء وابن المنذر: لا إحداد عليها. ومذهب أبي حنيفة والكوفيين وأبي ثور والحكم وأبي عبيد: أن المطلقة ثلاثا كالمتوفى عنها زوجها في وجوب الإحداد.

                                                وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: الاحتياط أن تتقي المطلقة الزينة.

                                                وشذ الحسن البصري في قوله: لا إحداد جملة على المطلقة والمتوفى عنها. انتهى.

                                                وقال الكاساني: لا خلاف بين الفقهاء أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الإحداد، وقال نفاة القياس: لا إحداد عليها، وهم محجوجون بالأحاديث وإجماع الصحابة.

                                                واختلف في المطلقة ثلاثا أو بائنا، قال أصحابنا: يلزمها الإحداد. وقال الشافعي: لا يلزمها.

                                                وأما شرائط وجوبه فهو أن تكون المعتدة بالغة عاقلة مسلمة، من نكاح صحيح، سواء كانت متوفى عنها زوجها أو مطلقة ثلاثا أو بائنا، فلا يجب على الصغيرة والمجنونة الكبيرة والكتابية والمعتدة من نكاح فاسد والمطلقة طلاقا رجعيا. وهذا عندنا.

                                                وقال الشافعي: يجب على الصغيرة والكتابية، وأما الحرية فليست بشرط لوجوب الإحداد؛ فيجب الإحداد على الأمة والمدبرة وأم الولد إذا كان لها زوج فمات عنها أو طلقها والمكاتبة والمستسعاة؛ لأن ما يجب له الإحداد لا يختلف بالرق والحرية، فكانت الأمة فيه كالحرة. والله أعلم.

                                                وقال القاضي عياض: قوله: "أن تحد على ميت" يدل [على] اختصاص ذلك بالأموات دون المطلقات على ما ذهب إليه الجمهور.

                                                وقوله هذا محمول عند القائلين به على الوجوب لا على الندب.

                                                [ ص: 159 ] قلت: قوله: "إلا على زوج" يقتضي كل زوج فيشمل زوج المطلقة ثلاثا أو بائنا وزوج المتوفى عنها فيشمل الإحداد الجميع.

                                                فإن قيل: فيشمل أيضا زوج الصغيرة وزوج الكتابية وزوج المجنونة ومع هذا لا يجب عليهن الإحداد.

                                                قلت: نعم، ولكن خرجت الكتابية بقوله: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله"، وأما الصغيرة والمجنونة فلكونهما لا تدخلان تحت الخطاب. فافهم.




                                                الخدمات العلمية