الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4578 ص: فمنع رسول الله -عليه السلام- الفريعة عن الانتقال من منزلها في عدتها، وجعل ذلك من إحدادها، وقد ذكرنا في حديث أسماء أن النبي -عليه السلام- قال لها: "تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت" حين توفي زوجها وهو جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-؛ ففي ذلك أنه ليس عليها أن تحد أكثر من ثلاث. وكل قد أجمع أن ذلك منسوخ؛ لتركهم ذلك واستعمالهم حديث زينب بنت جحش وعائشة وأم سلمة وأم حبيبة، . وما ذكرنا مع ذلك مما يوجب الإحداد في العدة كلها، وكل ما ذكرنا في الإحداد.

                                                وإنما قصد بذكره المتوفى عنها زوجها فاحتمل أن يكون ذلك للعدة التي تجب بعقد النكاح، فتكون كذلك المطلقة، عليها في ذلك من الإحداد في عدتها مثل ما على المتوفى عنها زوجها.

                                                واحتمل أن يكون ذلك خصت به العدة من الوفاة خاصة.

                                                [ ص: 183 ] فنظرنا في ذلك إذ كانوا قد تنازعوا في ذلك واختلفوا، فقال قائلون: لا يجب على المطلقة في عدتها إحداد. وقال آخرون: بل الإحداد عليها في عدتها كما هو على المتوفى عنها زوجها.

                                                فرأينا المطلقة في عدتها منهية عن الانتقال من منزلها في عدتها كما نهيت المتوفى عنها زوجها، وذلك حق عليها ليس لها ترك ذلك كما ليس لها ترك العدة.

                                                فلما ساوت المتوفى عنها زوجها في وجوب بعض الإحداد عليها ساوتها في وجوب كليته عليها.

                                                فثبت بما ذكرنا وجوب الإحداد على المطلقة في عدتها.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا كلام ظاهر، وقد حققناه في أول الباب.

                                                قوله: "وجعل ذلك" أي عدم انتقالها من منزلها.

                                                قوله: "وكل قد أجمع" أي الأخصام كلهم مجمعون "أن ذلك منسوخ".

                                                قوله: "إذ كانوا قد تنازعوا" أي حين كانوا قد تنازعوا.

                                                قوله: "فقال قائلون" وهم: عطاء بن أبي رباح وربيعة ومالك والشافعي والليث بن سعد وابن المنذر وأهل الظاهر.

                                                قوله: "وقال آخرون" أي جماعة آخرون، وهم: سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن سيرين والحكم بن عتيبة وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو عبيد وأبو ثور ، والشافعي في قول.

                                                وقد استوفينا ذكر ذلك فيما مضى.




                                                الخدمات العلمية