الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2572 [ ص: 243 ] باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي ، في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 231 - 233 جـ9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن الجعد أبي عثمان عن أنس بن مالك قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله. قال: فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور، فقالت: يا أنس! اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله! قال: فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله! فقال: "ضعه" ثم قال: "اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا، ومن لقيت" وسمى رجالا، قال: فدعوت من سمى ومن لقيت. قال: قلت لأنس : عدد كم كانوا؟ قال: زهاء ثلاث مائة، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس هات التور" قال: فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليتحلق عشرة عشرة، وليأكل كل إنسان مما يليه" قال: فأكلوا حتى شبعوا. [ ص: 244 ] قال: فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم. فقال لي: "يا أنس ارفع" قال: فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت. قال: وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وزوجته مولية وجهها إلى الحائط، فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم على نسائه، ثم رجع، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع، ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ،قال: فابتدروا الباب فخرجوا كلهم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل، وأنا جالس في الحجرة، فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج علي، وأنزلت هذه الآية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأهن على الناس يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي إلى آخر الآية قال الجعد: قال أنس بن مالك: أنا أحدث الناس عهدا بهذه الآيات. وحجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم].

                                                                                                                              [ ص: 245 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 245 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه: (قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل أهله. قال: فصنعت أمي "أم سليم" حيسا، فجعلته في تور، فقالت: يا أنس ! اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل، يا رسول الله!) . فيه: أنه يستحب لأصدقاء المتزوج، أن يبعثوا إليه بطعام، يساعدونه به على وليمته:

                                                                                                                              والحيس: هو الأقط، والتمر، والسمن، يخلط. وقد يجعل عوض الأقط: "الدقيق"، ويعجن.

                                                                                                                              وفيه: الاعتذار إلى المبعوث إليه. وقول الإنسان: نحو قول أم سليم: "هذا لك منا قليل"

                                                                                                                              وفيه: استحباب بعث السلام إلى الصاحب. وإن كان أفضل من الباعث. لكن هذا يحسن، إذا كان بعيدا من موضعه، أو له عذر في عدم الحضور بنفسه للسلام.

                                                                                                                              [ ص: 246 ] "والتور" بفتح التاء وإسكان الواو: إناء مثل القدح. من نحاس أو غيره.

                                                                                                                              (قال: فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل، يا رسول الله! فقال: "ضعه" ثم قال: "اذهب، فادع لي: فلانا، وفلانا، وفلانا، ومن لقيت" - وسمى رجالا - قال: فدعوت من سمى، ومن لقيت) .

                                                                                                                              قال الجعد "الراوي لهذا الحديث، عن أنس رضي الله عنه": (قلت لأنس: عدد كم كانوا؟ قال: زهاء ثلاثمائة) .

                                                                                                                              "زهاء" بضم الزاي وفتح الهاء، وبالمد. معناه: نحو كذا.

                                                                                                                              وفيه: أنه يجوز في الدعوة، أن يأذن المرسل في ناس معينين، وفي مبهمين، لقوله: من لقيت. من أردت.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث: معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بتكثير الطعام، كما أوضحه في الكتاب.

                                                                                                                              (وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس ! هات التور ") بكسر التاء من "هات". كسرت للأمر. كما تكسر الطاء: من "أعط". [ ص: 247 ] (قال: فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليتحلق عشرة عشرة. وليأكل كل إنسان مما يليه". قال: فأكلوا حتى شبعوا.

                                                                                                                              قال: فخرجت طائفة، ودخلت طائفة، حتى أكلوا كلهم. فقال لي: "يا أنس ! ارفع". قال: فرفعت. فما أدري: حين وضعت كان أكثر، أم حين رفعت؟

                                                                                                                              قال: وجلس طوائف منهم يتحدثون، في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وزوجته مولية وجهها)

                                                                                                                              هكذا هو في جميع النسخ: "زوجته" بالتاء. وهي لغة قليلة، تكررت في الحديث والشعر. والمشهور: حذفها.

                                                                                                                              (إلى الحائط، فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على نسائه، ثم رجع. فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع، ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه) . بضم القاف المخففة. (قال: فابتدروا الباب، فخرجوا كلهم. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل. وأنا جالس في الحجرة. فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج علي. وأنزلت هذه الآية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأهن على الناس: [ ص: 248 ] { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي } ; إلى آخر الآية.

                                                                                                                              (قال الجعد: قال أنس: أنا أحدث الناس عهدا بهذه الآيات.

                                                                                                                              وحجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                              وهذا الحديث رواه مسلم مطولا، ومختصرا.

                                                                                                                              قال في النيل: الحديث، فيه دليل على جواز الدعوة إلى الطعام، على الصفة التي أمر بها صلى الله عليه وآله وسلم، من دون تعيين المدعو.

                                                                                                                              وفيه: جواز إرسال الصغير، إلى من يريد المرسل دعوته إلى طعامه.

                                                                                                                              وقبول الهدية من المرأة الأجنبية. ومشروعية هدية الطعام. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية