الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2757 باب في إنكار الولد، ونزع العرق

                                                                                                                              وهو في النووي في: (كتاب اللعان) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 134 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاما أسود، وإني أنكرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك من إبل؟" قال: نعم. قال: "ما ألوانها؟" قال: حمر. قال: "فهل فيها من أورق؟" قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنى هو؟" قال: لعله يا رسول الله! يكون نزعه عرق له. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "وهذا لعله يكون نزعه عرق له" ].

                                                                                                                              [ ص: 441 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 441 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة "رضي الله عنه"، أن أعرابيا، أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) . اسمه: ضمضم بن قتادة.

                                                                                                                              وفي رواية: جاء رجل (فقال: يا رسول الله ! إن امرأتي ولدت غلاما أسود. وإني أنكرته) . أي: استغربت بقلبي: أن يكون مني. لأني أبيض، وهو أسود. لا أنه نفاه عن نفسه بلفظه. والله أعلم.

                                                                                                                              فيه: دليل على أن التعريض بنفي الولد، ليس نفيا. وأن التعريض بالقذف: لا يكون قذفا. وإليه ذهب الشافعية، والجمهور.

                                                                                                                              وعن المالكية: يجب به الحد، إذا كانوا يفهمونها. وأجابوا عن حديث الباب: بأنه لا حجة فيه، لأن الرجل لم يرد قذفا، بل جاء سائلا مستفتيا: عن الحكم مما وقع له من الريبة. فلما ضرب له المثل أذعن.

                                                                                                                              وقال المهلب: التعريض إذا كان على سبيل السؤال: لا حد فيه.

                                                                                                                              وإنما يجب إذا كان على سبيل المواجهة.

                                                                                                                              وقال ابن المنير: الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض: أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة. والزوج يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب.

                                                                                                                              [ ص: 442 ] فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "هل لك من إبل؟" قال: نعم. قال: "ما ألوانها؟" قال: حمر. قال: "فهل فيها من أورق؟".

                                                                                                                              قال النووي : هو الذي فيه سواد، ليس بصاف. ومنه: قيل للرماد: "أورق" وللحمامة: "ورقاء"، وجمعه: "ورق"، بضم الواو وإسكان الراء.

                                                                                                                              كأحمر وحمر.

                                                                                                                              وقال في النيل: "أورق" هو الذي يميل إلى الغبرة.

                                                                                                                              (قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فأنى هو؟")

                                                                                                                              وفي رواية: "فأنى ذلك؟"، بفتح النون الثقيلة. أي: من أين أتاها اللون، الذي خالفها؟ هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها، أو لأمر آخر؟

                                                                                                                              (قال: لعله، يا رسول الله ! يكون نزعه عرق له) .

                                                                                                                              المراد بالعرق هنا: الأصل من النسب، تشبيها بعرق الشجرة. ومنه: قولهم: "فلان" معرق في النسب والحسب. وفي اللؤم والكرم.

                                                                                                                              ومعنى "نزعه": أشبهه، واجتذبه إليه، وأظهر لونه عليه.

                                                                                                                              وأصل النزع: الجذب. فكأنه جذبه إليه، لشبهه. يقال منه:

                                                                                                                              نزع الولد لأبيه. وإلى أبيه. ونزعه أبوه. ونزعه إليه. [ ص: 443 ] (فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وهذا، لعله أن يكون نزعه عرق له") وهو: ضرب مثل لتعريف السائل، وتوضيح للبيان: بتشبيه المجهول بالمعلوم. وهو من قياس التشبيه.

                                                                                                                              قال ابن العربي: فيه: دليل على صحة القياس، والاعتبار بالنظير. وتوقف فيه "ابن دقيق العيد"، فقال: هو تشبيه بأمر وجودي. والنزاع: إنما هو في التشبيه في الأحكام الشرعية، من طريق واحدة قوية.

                                                                                                                              وقال النووي : فيه: إثبات القياس، والاعتبار بالأشباه، وضرب الأمثال.

                                                                                                                              وفيه: الاحتياط للأنساب، وإلحاقها بمجرد الإمكان.

                                                                                                                              قال: وفي هذا الحديث: أن الولد يلحق الزوج، وإن خالف لونه لونه، حتى لو كان الأب أبيض والولد أسود، أو عكسه: لحقه. ولا يحل نفيه بمجرد المخالفة في اللون. وكذا لو كان الزوجان أبيضين، فجاء الولد أسود أو عكسه. لاحتمال: أنه نزعه عرق من أسلافه. انتهى.

                                                                                                                              وقد حكى القرطبي، وابن رشد: الإجماع على ذلك. وتعقبهما [ ص: 444 ] الحافظ: بأن الخلاف في ذلك: ثابت عند الشافعية. فقالوا: إن لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا: لم يجز النفي. فإن اتهمها، فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به: جاز النفي على الصحيح عندهم.

                                                                                                                              وعند الحنابلة: يجوز النفي، مع القرينة مطلقا.




                                                                                                                              الخدمات العلمية