الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الثاني عشر: قوله: "فذلك المشار إليه إما أن لا يبقى منه شيء في جوانبه الستة أو يبقى".

يقال له: هؤلاء المنازعون نزاعا معنويا يقولون: لا يجوز أن يقال يبقى منه شيء، ولا يجوز أن يقال لا يبقى منه شيء، لأن البقاء وعدمه فرع على كونه مركبا منقسما، وإذا قدرنا أنه قائم بنفسه مشار إليه بالحس ليس بمركب لم يجز أن يقال يبقى أو لا يبقى، فهذا قولهم في هذا المقام، فإن قال هذا خلاف الحس أو الضرورة لم يدفع ذلك، فإن دفع ذلك يكون باطلا من جنس [ ص: 414 ] دفعه الباطل، بل يقال إما أن يكون هذا حقا أو خطأ، فإن كان حقا فلا كلام عليه، وإن كان خطأ فلا ريب أنه أبعد عن الخطأ من دعوى موجود لا داخل العالم ولا خارجا عنه ولا مباينا لغيره ولا محايثا له، وكون القائم بنفسه لا يباين القائم بنفسه إلا بالحقيقة والزمان، أو كون القائم بنفسه [لا] يباين القائم بنفسه بالجهة ونحو ذلك من الأمور التي كل من فهمها وتصورها علم أنها مخالفة للحس والضرورة، ولا ريب أن الفطرة هي بذلك أعظم إقرارا منها بهذا، فإنك إذا عرضت على كل ذي فطرة سليمة وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، أو وجود الباري لا فوق العالم ولا فيه، ونحو ذلك، يكون إنكاره بفطرته ذلك إنكارا يضطر إليه، لا يملك دفعه عن نفسه، ولو عرضت عليه موجودا فوق العالم مشارا إليه بالحس لا يوصف بأنه / يبقى منه شيء في جوانبه الستة أو لا يبقى، لم يكن إنكاره لهذا بفطرته وبديهته كإنكاره لذلك، فإن فهم هذا أدق وهو بعد فهمه أقرب إلى دخول الشبهة فيه من الأول، ولهذا كان الذين قالوا ذلك فيهم من فضلاء المسلمين وأعيان العلماء ما ليس في أولئك، فإن أولئك ليس فيهم من يقلده المسلمون فرعا من فروع الدين فضلا عن أن يقلدوه أصول دينهم، ولا فيهم إلا من له مقالات تخالف إجماع المسلمين، بل هو كفر صريح.

[ ص: 415 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية