الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد ذم الله قوما بدلوا نعمه كفرا، وإن لم تكن بعض النعم متضررة، ولهذا ينهى عن الاستنجاء بما له حرمة، حتى الروث والعظام التي هي طعام الجن وطعام دوابهم، فكيف طعام الإنس وطعام دوابهم؟ وذلك وإن كان لما فيه من تفويت منفعتها على الجن فلها شرف بذلك، حتى لو فوتها الإنسان بغير الاستنجاء- مثل الكسر والتفتيت- لم يكن في ذلك بمنزلة المستنجي بها.

فكل ما كانت المنفعة به أعظم كان له من الحق بقدر ذلك، واستحق ما لم يستحقه ما هو دونه، وإن كان هو في نفسه لا يتضرر بتفويت حقه، سواء كانت ذاته ينتفع بها أو كانت المنفعة منه، وإن كان هو لا يتضرر بتفويت حقه، وقد قالت عائشة: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم، رواه أبو داود وغيره . وكان قد وقف على بابها [ ص: 249 ] سائلان أحدهما أشرف من الآخر، ففضلته في العطاء.

وقد قال تعالى: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ، فأخبر أن الإفك عليهم- وهو من أعظم الظلم- هو خير لهم لا شر. لكن هذا قد يقال فيه: إنه وإن تضرر الإنسان بالكذب عليه، لكن لما كانت عاقبته منفعة زائدة كان خيرا لا شرا. وقد قال تعالى: ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون لن يضروكم إلا أذى الآية ، فأخبر أنهم لن يضروا المؤمنين إلا أذى، وإن كانوا مع هذا ظالمين للمؤمنين بالكذب والفجور.

وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، فأخبر سبحانه أن الضالين لا يضرون المهتدين، وإن كانوا قد يؤذونهم، فالأذى ليس هو الضرر، وإن كانوا مع هذا ظالمين لهم بأنواع من الظلم، كما يظلم الكفار المحاربون والمنافقون المؤمنين، وقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا إلى قوله تعالى: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا . فأخبر عن هؤلاء المنافقين الظالمين للمؤمنين بما [ ص: 250 ] ذكر، وأن المؤمنين إذا صبروا واتقوا لا يضرهم كيدهم شيئا.

فعلم أنه ليس كل ظالم يضر المظلوم البتة، بل قد لا يضره ظلمه شيئا وإن قصد الظالم إضراره، ومنه قوله تعالى: ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء الآية . ومعلوم أن ذلك من ظلمهم، ومع هذا فلا يضرونه.

وفي صحيح مسلم عن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي ". والسم قد يكون من شقي ظالم.

وفي الصحيح : "من قال إذا نزل منزلا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء في ذلك المنزل حتى يرتحل منه ". وقد يعرض له ظالم من الإنس أو الجن بظلم أو أذى ولا ... وقد أمر الله بالاستعاذة من شر ما خلق، وشر النفاثات في العقد، وشر حاسد إذا حسد، ومن أعاذه الله لم يضره ذلك، وهو كله ظلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية