الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        886 [ ص: 26 ] ( 55 ) باب وقوف من فاته الحج بعرفة

                                                                                                                        841 - مالك ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : من لم يقف بعرفة من ليلة المزدلفة ، قبل أن يطلع الفجر ، فقد فاته الحج . ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة ، من قبل أن يطلع الفجر ، فقد أدرك الحج .

                                                                                                                        842 - مالك ، عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : من أدركه الفجر من ليلة المزدلفة ، ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج ، ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر ، فقد أدرك الحج .

                                                                                                                        [ ص: 27 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 27 ] 17933 - قال أبو عمر : ليلة المزدلفة هي ليلة يوم النحر ، وهي الليلة التي يبيتون فيها بالمزدلفة بعد أن يأتوها من عرفة فيجمعون فيها بين المغرب والعشاء ، ويبيتون بها ويصلون الصبح ، ثم يدفعون منها إلى منى ، وذلك يوم النحر .

                                                                                                                        17934 - وهذا الذي ذكره مالك عن ابن عمر ، وعروة هو قول جماعة أهل العلم قديما وحديثا لا يختلفون .

                                                                                                                        17935 - وقد روي به أثر مسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يروه أحد من الصحابة إلا رجلا يدعى عبد الرحمن بن يعمر الديلي .

                                                                                                                        17936 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن أمية قال : حدثني حمزة بن محمد قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم قال : حدثني وكيع قال : حدثني سفيان - يعني الثوري - عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحج عرفة من [ ص: 28 ] أدركها قبل أن يطلع الفجر فقد تم حجه " .

                                                                                                                        17937 - ورواه ابن عيينة ، عن بكير ، عن عطاء ، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي : قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الحج عرفات فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك ، وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " .

                                                                                                                        17938 - قال أبو عمر : لم تختلف الآثار ، ولا اختلف العلماء في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر جميعا بعرفة ، ثم ارتفع فوقف بجبالها داعيا إلى الله - تعالى - ووقف معه كل من حضره إلى غروب الشمس ، وأنه لما استيقن غروبها وبان له ذلك دفع منه إلى المزدلفة .

                                                                                                                        [ ص: 29 ] 17939 - وأجمعوا على أنه كذلك سنة الوقوف بعرفة والعمل بها .

                                                                                                                        17940 - وأجمعوا على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ثم أفاض منها قبل الزوال أنه لا يعتد بوقوفه قبل الزوال ، وأنه إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو يقف من ليلته تلك أقل وقوف قبل الفجر فقد فاته الحج .

                                                                                                                        17941 - ثم اختلفوا فيما على من وقف في عرفة بعد الزوال مع الإمام ، ثم دفع منها قبل غروب الشمس

                                                                                                                        17942 - فقال مالك : إن دفع منها قبل أن تغيب الشمس فعليه الحج قابلا ، وإن دفع منها بعد غروب الشمس قبل الإمام فلا شيء عليه .

                                                                                                                        17943 - وعند مالك أن من دفع من عرفة قبل غروب الشمس ثم عاد إليها قبل الفجر أنه لا دم عليه .

                                                                                                                        17944 - وقال سائر العلماء : من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تام ، وإن دفع قبل غروب الشمس إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم عليه إن رجع فوقف ليلا .

                                                                                                                        17945 - فقال الشافعي : إن عاد إلى عرفة حتى يدفع بعد مغيب الشمس فلا شيء عليه ، وإن لم يرجع حتى يطلع الفجر أجزأت حجته وأهراق دما .

                                                                                                                        [ ص: 30 ] 17946 - وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري : إذا أفاض من عرفة قبل غروب الشمس أجزأه حجه ، وكان عليه لتركه الوقوف إلى غروب الشمس دم . وإن دفع بعد غروب الشمس لم يسقط عنه الدم .

                                                                                                                        17947 - وكذلك قال أبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود مثل قول الشافعي .

                                                                                                                        17948 - وبه قال الطبري .

                                                                                                                        17949 - وهو قول عطاء وعامة العلماء في الدم وتمام الحج .

                                                                                                                        17950 - إلا أن الحسن البصري ، وابن جريج قالا : لا يجزئه إلا بدنة .

                                                                                                                        17951 - قال أبو عمر : الحجة لهم في ذلك حديث عروة بن مضرس الطائي ، وهو حديث ثابت صحيح رواه جماعة من أصحاب الشعبي الثقات ، عن الشعبي ، عن عروة بن مضرس ، منهم : إسماعيل بن أبي خالد ، وداود بن أبي هند ، وزكريا بن أبي زائدة ، ومطرف .

                                                                                                                        17952 - أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثني حمزة بن محمد قال : حدثني أحمد بن شعيب قال : أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال : حدثني خالد ، عن شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر قال : سمعت الشعبي يقول : حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بجمع ، [ ص: 31 ] فقلت : " هل لي من حج ؟ فقال : من صلى معنا هذه الصلاة ، ومن وقف معنا هذا الموقف حتى نفيض وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " .

                                                                                                                        17953 - حدثني عبد الوارث بن سفيان قال : حدثني قاسم بن أصبغ قال : حدثني أحمد بن زهير قال : حدثني أبو نعيم قال : حدثني زكريا بن أبي زائدة ، عن عامر قال : حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام : أنه حج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يدرك الناس إلا ليلا وهو بجمع ، فانطلق إلى عرفات ليلا فأفاض منها ثم رجع إلى جمع ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله : أعملت نفسي وأنصبت راحلتي فهل لي من حج ، فقال : من صلى معنا الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض وقد أفاض من عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه .

                                                                                                                        [ ص: 32 ] 17954 - أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثني محمد بن بكر قال : [ ص: 33 ] حدثني أبو داود قال : حدثني مسدد قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل قال : حدثني عامر قال : أخبرني عروة بن مضرس الطائي ، قال أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالموقف - يعني بجمع - فقلت : جئت يا رسول الله من جبلي طيئ ، أكللت مطيتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات من قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " .

                                                                                                                        17955 - قال أبو عمر : هذا الحديث يقضي بأن من لم يأت عرفات ، ولم يفض منها ليلا أو نهارا فلا حج له ، ومن أفاض منها ليلا أو نهارا فقد تم حجه .

                                                                                                                        17956 - وأجمعوا على أن المراد بقوله في هذا الحديث " نهارا " لم يرد به ما قبل الزوال ، فكان ذلك بيانا شافيا .

                                                                                                                        17957 - وقال إسماعيل بن إسحاق : إنما في حديث عروة بن مضرس إعلام منه - صلى الله عليه وسلم - لا يضره إن فاته ، لأنه لما قيل : ليلا أو نهارا ، والسائل يعلم أنه إذا وقف بالنهار فقد أدرك الوقوف بالليل ، فأعلم أنه إذا وقف بالليل وقد فاته الوقوف بالنهار أن ذلك لا يضره ، وأنه قد تم حجه لا أنه أراد بهذا القول أن يقف بالنهار دون الليل .

                                                                                                                        [ ص: 34 ] 17958 - قال : ولو حمل هذا الحديث على ظاهره كان من لم يدرك الصلاة بجمع قد فاته الحج .

                                                                                                                        17959 - وقال أبو الفرج : معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة بن مضرس وقد أفاض قبل ذلك من عرفة ليلا أو نهارا أراد - والله أعلم - : ليلا أو نهارا وليلا ، فسكت عن أن يقول : وليلا ؛ لعلمه بما قدم من فعله لأنه وقف نهارا وأخذ من الليل فكأنه أراد بذكر النهار اتصال الليل به .

                                                                                                                        17960 - قال : وقد يحتمل أن يكون قوله ليلا أو نهارا في معنى ليلا ونهارا فتكون " أو " بمعنى الواو .

                                                                                                                        17961 - قال أبو عمر : لو كان كما ذكر لكان الوقوف واجبا ليلا ونهارا ولم يغن أحدهما ، وهذا لا يقوله أحد ، وقد أجمع المسلمون أن الوقوف بعرفة ليلا يجزئ عن الوقوف بالنهار ، إلا أن فاعل ذلك عندهم إذا لم يكن مراهقا ولم يكن له عذر فهو مسيء . ومن أهل العلم من رأى عليه دما ، ومنهم من لم ير شيئا عليه .

                                                                                                                        17962 - وجماعة العلماء يقولون : إن من وقف بعرفة ليلا أو نهارا بعد زوال الشمس من يوم عرفة أنه مدرك للحج إلا مالك بن أنس ، فإنه انفرد بقوله [ ص: 35 ] الذي ذكرناه عنه ، ويدل على أن مذهبه والفرض عنده الوقوف بالليل دون النهار وعند سائر العلماء الليل والنهار في ذلك سواء ، إذا كان بعد الزوال .

                                                                                                                        17963 - والسنة أن يقف كما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهارا يتصل له بالليل .

                                                                                                                        17964 - ولا خلاف بين العلماء أن الوقوف بعرفة فرض على ما ذكرنا من تنازعهم في الوقت المفترض .

                                                                                                                        17965 - وأما قوله في حديث عروة بن مضرس : " من أدرك معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الصبح - بجمع وكان قد أتى قبل ذلك عرفات ليلا أو نهارا " فإن ظاهر هذا اللفظ يوجب أن مشاهدة المشعر الحرام وإدراك الصلاة فيه من فرض الحج .

                                                                                                                        17966 - وقد اختلف العلماء في ذلك .

                                                                                                                        17967 - فكان علقمة بن قيس ، وعامر الشعبي ، وإبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، وروى ذلك عن ابن الزبير ، وهو قول الأوزاعي أنهم قالوا : من لم ينزل بالمزدلفة وفاته الوقوف بها فقد فاته الحج ويجعلها عمرة .

                                                                                                                        17968 - وروي عن الثوري مثل ذلك : والأصح عنه أن الوقوف بها [ ص: 36 ] سنة مؤكدة .

                                                                                                                        17969 - وقال حماد بن أبي سليمان : من فاتته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج فليحل بعمرة ، ثم ليحج قابلا .

                                                                                                                        17970 - وحجة من قال بهذا القول ظاهر قول الله - عز وجل - فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام [ البقرة : 198 ] .

                                                                                                                        17971 - وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " من أدرك جمعا وكان قد أدرك قبل ذلك عرفات فقد أدرك " .

                                                                                                                        17972 - وقال مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق : الوقوف بالمزدلفة من سنن الحج المؤكدة ، وليس من فروضها .

                                                                                                                        [ ص: 37 ] 17973 - وتفصيل أقوالهم في ذلك أن مالكا قال : من لم ينخ بالمزدلفة ولم ينزل فيها وتقدم إلى منى ورمى الجمرة فإنه يهريق دما ، فإن نزل بها ، ثم دفع منها في أول الليل أو وسطه أو آخره ، وترك الوقوف مع الإمام فقد أجزأ ، ولا دم عليه .

                                                                                                                        17974 - وقال الثوري : من لم يقف بجمع ولم ينزل منها ليلة النحر فعليه دم .

                                                                                                                        17975 - وهو قول عطاء في رواية ، وقول الزهري وقتادة ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

                                                                                                                        17976 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا ترك الوقوف بالمزدلفة فلم يقف بها ، ولم يمر بها ، ولم يبت بها فعليه دم .

                                                                                                                        17977 - قالوا : إن بات بها وتعجل في الليل رجع إذا كان خروجه من غير عذر حتى يقف مع الإمام أو يصبح بها فإن لم يفعل فعليه دم .

                                                                                                                        17978 - قالوا : وإن كان مريضا أو ضعيفا أو غلاما صغيرا فتقدموا بالليل من المزدلفة فلا شيء عليهم .

                                                                                                                        17979 - وقال الشافعي : إن نزل بالمزدلفة وخرج منها بعد نصف الليل فلا شيء عليه ، وإن خرج قبل نصف الليل ولم يعد إليها ليقف بها مع الإمام ولم يصبح فعليه شاة .

                                                                                                                        [ ص: 38 ] 17980 - قال : وإنما حددنا نصف الليل لأنه بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لضعفة أهله أن يرحلوا من آخر الليل ، ورخص لهم في أن لا يصبحوا بها ولا يقفوا مع الإمام ، والفرض على الضعيف والقوي سواء ولكنه ناظر لموضع الفضل وتعليم الناس ، وقدم ضعفة أهله لأنه كان مباحا لهم .

                                                                                                                        17981 - قال وما كان من نصف الليل فهو من آخر الليل .

                                                                                                                        17982 - وروي عن عطاء أنه إن لم ينزل بجمع فعليه دم ، وإن نزل بها ثم ارتحل بليل فلا شيء عليه .

                                                                                                                        17983 - رواه عنه ابن جريج ، وهو الصحيح عنه .

                                                                                                                        17984 - وكان عبد الله بن عمر يقول : إنما جمع منزل تذبح فيه إذا جئت .

                                                                                                                        17985 - قال أبو عمر : لما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة بن مضرس : " من أدرك معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الصبح - بجمع ، وصح [ ص: 39 ] عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قدم ضعفة أهله ليلا ، ولم يشهدوا معه تلك الصلاة ودل على أنه موضع الاختيار .

                                                                                                                        17986 - وقد أجمعوا على أن من وقف بالمزدلفة ليلا ودفع منها قبل الصبح أن حجه تام ، وكذلك من بات بها ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام .

                                                                                                                        17987 - فلو كان حضور الصلاة معه - عليه السلام - من صلب الحج وفرائضه ما أجزأه ، فلم يبق إلا أن مشاهدة الصلاة بجمع سنة حسنة ، وسنن الحج تجبر بالدم إذا لم يفعلها من عليه فعلها .

                                                                                                                        17988 - وأما احتجاجهم بقول الله - عز وجل - فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام [ البقرة : 198 ] ، وقولهم إن هذه الآية تدل على أن عرفات والمزدلفة جميعا من فروض الحج فليس بشيء ؛ لأن الإجماع منعقد على أنه لو وقف بالمزدلفة أو بات فيها بعض الليل ولم يذكر الله على أن حجه تام ، فدل على أن الذكر بها مندوب إليه ، وإذا لم يكن الذكر المنصوص عليه من إتمام الحج فالمبيت والوقوف أحرى بذلك إن شاء الله .



                                                                                                                        17989 - واختلف الفقهاء في الذي يقف بعرفة مغمى عليه ، فقال مالك : إذا أحرم ثم أغمى عليه ووقف به مغمي عليه فحجه تام ولا دم عليه .

                                                                                                                        [ ص: 40 ] 17990 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

                                                                                                                        17991 - وقال الشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق : من وقف بها مغمى عليه فقد فاته الحج .

                                                                                                                        17992 - قال الشافعي : عمل الحج ثلاثة أشياء : أن يحرم وهو يعقل ، ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ، ويطوف بالبيت والصفا والمروة وهو يعقل ، ولا يجزئ عنه هذه الثلاثة إلا وهو يعقل .

                                                                                                                        17993 - واختلفوا في الرجل يمر بعرفة ليلة النحر وهو لا يعلم أنها عرفة ، فقالت طائفة : يجزئه .

                                                                                                                        17994 - حكى أبو ثور هذا القول عن مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي .

                                                                                                                        17995 - وقال أبو ثور : وفيه قول آخر أنه لا يجزئه وذلك أنه لا يكون واقفا إلا بإرادة .

                                                                                                                        [ ص: 41 ] 17996 - قال أبو عمر : مستحيل أن يتأدى الفرض عمن لم يقصد إليه ، ولا علمه ، والمغمى عليه ذاهب العقل غير مخاطب ، والله - تعالى - إنما أمر عباده أن يعبدوه مخلصين له ، والإخلاص القصد بالنية إلى أداء ما افترض عليه ، ويؤكد هذا قوله - عليه السلام - : " إنما الأعمال بالنيات . . " .

                                                                                                                        [ ص: 42 ] 17997 - واختلفوا في جماعة أهل الموسم يخطئون العدد فيقفون بعرفة في غير يوم عرفة على ثلاث أقوال :

                                                                                                                        17998 - ( أحدها ) : أنه إن وقفوا قبل لم يجزهم ، وإن وقفوا بعد أجزأهم .

                                                                                                                        17999 - ( والثاني ) : أنه يجزيهم الوقوف قبل وبعد على حسب اجتهادهم .

                                                                                                                        18000 - ( والثالث ) : أنه لا يجزيهم الوقوف قبل ولا بعد .

                                                                                                                        18001 - وروي عن عطاء ، والحسن أنه يجزئهم قبل وبعد .

                                                                                                                        18002 - وبه قال أبو حنيفة .

                                                                                                                        18003 - واختلف أصحاب الشافعي فبعضهم قال : يجزئهم بعد ، ولا يجزئهم قبل قياسا على الأسير تلتبس عليه الشهور فيصوم رمضان فيجزئه بعد ولا يجزئه قبل .

                                                                                                                        18004 - وهو قول مالك .

                                                                                                                        18005 - وقال بعض أصحاب الشافعي : يجزئهم قبل وبعد قياسا على القبلة .

                                                                                                                        18006 - وأبو ثور وداود لا يجيزان الوقوف لا قبل ولا بعد .

                                                                                                                        [ ص: 43 ] 18007 - وروى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم قال : إذا أخطأ أهل الموسم فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا على أملهم ، وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده وينحرون من الغد ويعملون عمل الحج ولا يتركوا الوقوف بعرفة من أجل أنه يوم النحر ، ولا ينفضوا من رمي الجمار الثلاثة الأيام بعد يوم النحر ، ويجعلون يوم النحر بالغد بعد وقوفهم ويكون حالهم في ميقاتهم كحال من لم يخطئ .

                                                                                                                        18008 - قال : وإذا أخطؤوا بعد أن وقفوا بعرفة يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد من يوم عرفة نفسه ولم يجزهم الوقوف يوم التروية .

                                                                                                                        18009 - وقال سحنون : اختلف قول ابن القاسم فيمن وقف يوم التروية .

                                                                                                                        18010 - وقال يحيى بن عمر : اختلف فيه قول سحنون أيضا .

                                                                                                                        [ ص: 44 ] 18011 - قال يحيى بن عمر في أهل الموسم ينزل بهم ما نزل بالناس . . . . وهروبهم من عرفة ولم يعد الوقوف ؟ قال : يجزئهم ولا دم عليهم .

                                                                                                                        18012 - قال أبو عمر : إنما هذا في جماعة أهل الموسم وأهل البلد يغلطون في الهلال ، وأما المنفرد فلا مدخل له في هذا الباب ، وإذا أخطأ العدد في أيام العشر لزمه إذا لم يدرك الوقوف بعرفة من ليلة النحر ما يلزم من فاته الحج ، واجتهاده في ذلك كله اجتهاد .

                                                                                                                        18013 - وكذلك من أخطأ وحده من بين أهل مصره في هلال رمضان وشوال وذي الحجة ، وقد مضى القول في ذلك المنفرد في موضعه .

                                                                                                                        18014 - وأما الجماعة فاجتهادهم سائغ ، والحرج عنهم ساقط لقوله - عليه السلام - : " أضحاكم حين تضحون وفطركم حين تفطرون " فأجاز الجميع اجتهادهم ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية