الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        935 [ ص: 216 ] ( 72 ) باب الرخصة في رمي الجمار

                                                                                                                        891 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه أن أبا البداح بن عاصم بن عدي ، أخبره عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة ، خارجين عن منى ، يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد ، ومن بعد الغد ليومين ، ثم يرمون يوم النفر .

                                                                                                                        [ ص: 217 ] 892 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل . يقول : في الزمان الأول .

                                                                                                                        18625 - قال مالك : تفسير الحديث الذي أرخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل في تأخير رمي الجمار ، فيما نرى - والله أعلم - أنهم يرمون يوم النحر فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد . وذلك يوم النفر الأول . فيرمون لليوم الذي مضى ، ثم يرمون ليومهم ذلك لأنه لا يقضي أحد شيئا حتى يجب عليه . فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك فإن [ ص: 218 ] بدا لهم النفر فقد فرغوا ، وإن أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر ونفروا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        18626 - قال أبو عمر : قد ذكرنا في " التمهيد " ما ذكره أحمد بن خالد ، عن يحيى بن يحيى في حديث أبي البداح أنه قال فيه : " عن أبي البداح عاصم بن عدي " وتكلمنا في ذلك بما حضرنا .

                                                                                                                        18627 - والذي عندنا في رواية يحيى أنه كما رواه غيره سواء عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، وهو الصحيح . وقد ذكرنا شواهده في " التمهيد " .

                                                                                                                        18628 - وقد روى هذا الحديث يحيى القطان عن مالك بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين بعده يجمعونهما في آخرهما ، لم يذكر البيتوتة عن منى .

                                                                                                                        18629 - ومعلوم أنه إنما رخص لهم في البيتوتة عن منى هم وكل من ولي السقاية من آل العباس .

                                                                                                                        [ ص: 219 ] 18630 - وظاهر حديث يحيى بن سعيد القطان ، عن مالك أنه رخص للرعاء في دمج يومين في يوم واحد فرموا ذلك أو أجزوه . ومالك لا يرى لهم التقديم إنما يرى لهم تأخير رمي اليوم الثاني إلى الثالث ، ثم يرمون في اليومين لأنه لا يقضى عليه شيء من ذلك حتى يجب فيقضى فيه .

                                                                                                                        18631 - ومن حجته ما رواه ابن جريج ، عن محمد بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص لرعاء الإبل أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ، ثم يدعوا يوما وليلة ، ثم يرمون من الغد - يعني يرمون اليوم الذي غابوا عنه من منى - ثم يرمون عن يومهم الذي أتوا فيه من رعيهم .

                                                                                                                        18632 - قال أبو عمر : وقال غير مالك : لا بأس بذلك كله ؛ لأنها رخصة رخص لهم فيها كما رخص لمن نفر وتعجل في يومين في سقوط الرمي في اليوم الثالث .

                                                                                                                        18633 - وعند مالك إذا رموا في اليوم الثالث ، وهو الثاني من أيام التشريق لذلك اليوم ولليوم الذي قبله نفروا إن شاءوا في بقية ذلك اليوم ، فإن لم ينفروا وبقوا إلى الليل لم ينفروا اليوم الثالث من أيام التشريق حتى يرموا في وقت الرمي بعد الزوال ، وإنما لم يجز مالك للرعاء في تقديم الرمي ؛ لأن غير الرعاء لا يجوز لهم أن يرموا في أيام التشريق شيئا من الجمار قبل الزوال ، ومن رماها قبل الزوال أعادها ، فكذلك الرعاء سواء ، وإنما رخص للرعاء [ ص: 220 ] في تأخير اليوم الثاني إلى اليوم الثالث . فقف على ذلك فهو مذهب مالك .

                                                                                                                        18634 - قال أبو عمر : لما رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لرعاء الإبل بالرمي في الليل دل ذلك على أن الرمي بالليل غيره أفضل منه ؛ لأن الليل لا يجوز فيه الرمي أصلا ؛ لإجماع العلماء أن الرمي للرعاء وغير الرعاء لا يجوز تأخيره حتى تخرج أيام التشريق ، فدل على أن الرمي في ليل التشريق رخصة للرعاء ، وأن الرمي بالنهار هو في الوقت المختار .

                                                                                                                        18635 - قال معمر : سمعت الزهري يقول : أرخص للرعاء أن يرموا ليلا .

                                                                                                                        18636 - وابن جريج ، عن عطاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص للرعاء أن يرموا بالليل .

                                                                                                                        18637 - وقال مجاهد : لم يبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص لغير الرعاء . 18638 - وقال الزهري ، وعطاء : من نسي أن يرمي نهارا في أيام منى فليرم في الليل ، يرمي في أيام منى بالليل والنهار ، فإن مضت أيام منى أهراق دما .

                                                                                                                        18639 - وقال عطاء : إذا غابت الشمس من أيام التشريق فقد انقطع الرمي .

                                                                                                                        18640 - وقد روي أن الرمي يفوت بطلوع الفجر من آخر أيام [ ص: 221 ] التشريق .

                                                                                                                        18641 - وهي رواية شاذة .

                                                                                                                        18642 - قال عروة : من فاته الرمي في أيام التشريق بعد زوال الشمس إلى آخر غروب الشمس . 18643 - وأما قولهم : من ترك الرمي إلى أن غربت الشمس ، فقال مالك : من لم يرم حتى الليل رمى ساعة ذكر من ليل أو نهار .

                                                                                                                        18644 - قال : وهو أخف عندي من الذي يفوته الرمي يوم النحر حتى يمسي .

                                                                                                                        18645 - وقال أبو حنيفة : من ترك رمي الجمار كلها يومه إلى الليل وهو في أيام الرمي رماها بالليل ، ولا شيء عليه ، فإن ترك الرمي حتى انشق الفجر رمى وعليه دم .

                                                                                                                        18646 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : يرمي من الغد ولا شيء عليه .

                                                                                                                        18647 - وقال الشافعي : من أخر أو نسي شيئا من الرمي أيام منى قضى ذلك في أيام منى ، فإن مضت أيام منى ولم يرم أهراق دما لذلك إن كان الذي ترك ثلاث حصيات ، وإن كان أقل ففي كل حصاة مد يتصدق به .

                                                                                                                        [ ص: 222 ] 18648 - وهو قول أبي ثور .




                                                                                                                        الخدمات العلمية