الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويعطى الولاة زكاة الأموال الظاهرة الثمرة والزرع والمعدن والماشية ، فإن لم يأت الولاة لم يسع أهلها إلا قسمها ، فإن جاء الولاة بعد ذلك لم يأخذوهم بها وإن ارتابوا بأحد ، فلا بأس أن يحلفوه بالله لقد قسمها في أهلها ، وإن أعطوهم زكاة التجارات والفطر والركاز أجزأهم إن شاء الله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن الأموال ضربان : ظاهرة كالثمار والزروع والمواشي ، وباطنة كالدراهم والدنانير وعروض التجارات والركاز وزكاة الفطر ، فما كان منها باطنا لم يلزمه دفع زكاته إلى الإمام وجاز لأربابها أن يتولوا إخراجها وقسمها في أصلها وإن دفعوها إلى الولاة جاز وما كان منها ظاهرا ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما وهو قوله في الجديد أنها كالباطنة يجوز لأهلها أن يتولوا إخراج زكاتها ولا يلزمهم دفعها إلى الإمام .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن عليهم دفع زكاتها إلى الإمام أو عامله عليها ولا يجوز لأربابها أن يتولوا إخراجها بأنفسهم مع القدرة على دفعها إلى الإمام أو عامله عليها ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وقد مضى توجيه القولين .

                                                                                                                                            [ ص: 546 ] فإن تأخر الإمام وعامله وتعذر على أرباب الأموال دفع زكاتهم إليه فهل لهم على القول القديم إخراجها بأنفسهم أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز وتكون محبوسة عليه حتى يأتي فيتولى إخراجها : لأن من استحق قدر مال لم يجز أن يدفع إلى غيره لتأخره كالديون .

                                                                                                                                            والوجه الثاني وهو ظاهر نصه في هذا الموضع يجب على أهلها تعجيل إخراجها بأنفسهم إذا تأخر الوالي عنهم : لأنه مستحق لجهات يمكن إيصاله إليها والوالي نائب ، وتأخر الوالي النائب لا يوجب تأخر الحق كالوالي والوكيل ، فإذا أخرجها أربابها عند تأخر الوالي ، ثم حضر فأخبروه بإخراجها فالقول قولهم وله إحلافهم إن استراب بهم وفي هذه اليمين وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها مستحقة ، فإن نكلوا عنها لم تؤخذ منهم الزكاة .

                                                                                                                                            والثاني : أنها واجبة ، فإن نكلوا عنها أخذت منهم الزكاة بالوجوب المتقدم لا بالنكول ، وقد مضى تعليل ذلك في كتاب الزكاة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية