الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فلما اشتد الأذى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موت أبي طالب عاد من الطائف غير ظافر منهم بإجابة ، عرض نفسه في المواسم على قبائل العرب ، فبدأ بكندة فدعاهم إلى الإسلام ، وعرض نفسه عليهم فلم يقبلوه ، ثم أتى كلبا ، فعرض نفسه على بني عبد الله منهم ، فلم يقبلوه ، ثم عرض نفسه على بني حنيفة ، فكانوا أقبح العرب ردا له .

                                                                                                                                            ثم عرض نفسه على بني عامر ، فقال زعيمهم : إن شاركتنا في هذا الأمر قبلناك : فتركهم ، وقال : الأمر لله يؤتيه من يشاء . ثم حضر الموسم ستة نفر من الخزرج ، وهم أسعد بن زرارة ، وعقبة بن عامر ، وجابر بن عبد الله ، وعوف بن الحارث ، ورافع بن مالك ، وقطبة بن عامر فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاهم إلى الإسلام ، فأجابوا إليه ، وكانوا قد سمعوا يهود المدينة يقولون إذا قاتلوهم : لنا نبي يبعث ، ونحن ننتصر به عليكم ، فوقر ذلك في نفوسهم لما أراد الله تعالى بهم من الخير : فلذلك سارعوا إلى الإجابة قي دعائه وعرض عليهم نفسه ، فقالوا : نقدم على قومنا ، ونخبرهم بما دخلنا فيه ، فلما عادوا وذكروا لهم ما دخلوا فيه من الإسلام ، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كان في العام المقبل وافى إلى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا منهم تسعة من الخزرج ، وهم أسعد بن زرارة ، وعبادة بن الصامت ، [ ص: 19 ] وعقبة بن عامر ، وعوف ومعاذ ابنا عفراء ، ورافع بن مالك ، وذكوان بن عبد قيس ، ويزيد بن ثعلبة أبو عبد الرحمن ، وعباس بن عبادة ، وقطبة بن عامر ، وثلاثة من الأوس وهم أبو الهيثم بن التيهان ، وعويم بن ساعدة ، والبراء بن معرور فلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقبة الأولى وكان معه أبو بكر وعلي ، فبايعوه على الإسلام بيعة النساء وذلك قبل أن تفرض الحرب ، قال عبادة بن الصامت وذلك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف ، فإن وفيتم فلكم الجنة : وإن غشيتم شيئا من ذلك وأخذتم بعده في الدنيا فهو كفارة له ، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله .

                                                                                                                                            فلما انصرفوا بعث معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين ، فقدم معهم ونزل على أسعد بن زرارة ، ودعا الأنصار إلى الإسلام ، فكان يسلم على يده قوم بعد قوم ، وكان سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير - وهما سيدا قومهما بني عبد الأشهل - أنكرا ذلك حتى قرأ مصعب بن عمير عليهما سورة الزخرف ، فلما سمعاها أسلما في تلك الليلة ، وجميع بني عبد الأشهل من الرجال والنساء ، وكانوا أول قوم أسلم جميعهم ، وصلى مصعب بالناس الجمعة في حرة بني بياضة ، وهي أول جمعة صليت في الإسلام ، وعاد مصعب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة ، فذكر له من أسلم من أهل المدينة فسره .

                                                                                                                                            وحكى أبو عيسى قال : سمعت قريش في الليل قائلا على أبي قبيس يقول :


                                                                                                                                            فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف

                                                                                                                                            فلما أصبحوا قال أبو سفيان : من السعدان ؟ سعد بكر ، وسعد تميم . فلما كان في الليلة الثانية سمعوه يقول :


                                                                                                                                            أيا سعد الأوس كن أنت ناصرا     ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
                                                                                                                                            أجيبا على داعي الهدى وتمنيا     على الله في الفردوس منية عارف
                                                                                                                                            فإن ثواب الله للطالب الهدى     جنان من الفردوس ذات رفارف

                                                                                                                                            فلما أصبحوا قال أبو سفيان : هما والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية