الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن فرض الجهاد الآن مستقر على الكفاية دون الأعيان فالذي يلزم من فرض الجهاد شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : كف العدو عن بلاد الإسلام أن يتخطفها لينتشر المسلمون فيها آمنين على نفوسهم وأموالهم ، فإن أظل العدو عليهم وخافوه على بلادهم تعين فرض الجهاد [ ص: 113 ] على كل من أطاقه وقدر عليه من البلاد التي أظلها العدو ، وكان فرضه على غيرهم باقيا على الكفاية .

                                                                                                                                            والثاني : أن يطلب المسلمون بلاد المشركين ليقاتلوهم على الدين حتى يسلموا أو يبذلوا الجزية إن لم يسلموا : لأن الله تعالى فرض الجهاد لنصرة دينه ، فقال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله [ البقرة : 193 ] . وهذا مما لا يتعين فرض الجهاد فيه ، ولا يكون إلا على الكفاية ، وإن جاز أن يتعين في الأول ، ولا يجوز للإمام وكافة المسلمين أن يقتصروا في الجهاد على أحد هذين الأمرين حتى يجمعوا بينهما فيذبوا عن بلاد الإسلام ، ويقاتلوا على بلاد الشرك ، فإن وقع الاقتصار على أحدهما حرج أهل الجهاد لإخلالهم بفرض الكفاية .

                                                                                                                                            وفرض الكفاية ما إذا قام به بعضهم سقط فرضه عن الباقين ، وفرض الأعيان ما لا يسقط فرضه إلا عن فاعله ، والكفاية في الجهاد تكون من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتولاه الإمام بنفسه ويقوم فيه بحقه فيسقط فرضه عن الكافة لمباشرة الإمام له بأعوانه .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون ثغور المسلمين مشحونة من المقاتلة بمن يذب عنها ويقاتل من يتصل بها : فيسقط بهم فرض الجهاد عمن خلفهم ، فإن ضعفوا واستنفروا وجب على من وراءهم من المسلمين أن يمدوهم من أنفسهم بمن يتقوون به على قتال عدوهم ، ويصير جميع من تخلف عن إمدادهم داخلا في فرض الكفاية حتى يمدوهم بأهل الكفاية لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم وفي تسميته جهادا تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : لأنه يجهد في قهر عدوه .

                                                                                                                                            والثاني : لأنه يبذل فيه جهد نفسه .

                                                                                                                                            روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال وقد رجع من بعض غزواته : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر يعني : جهاد النفس .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية