الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الحال الثانية : وهو أن يكون إحباله لها بعد قسمها بين القبائل بأن حصلت ملكا لعشرة من الغانمين : لأن الحكم لأمير الجيش إذا قلت الغنيمة وكثر العدد أن يشرك بين الجماعة في الرأس الواحد ، فيعطي لعشرة فرسا ولعشرة جارية ولعشرة بعيرا ، فإذا اختاروا ذلك وقبلوه صار مشتركا بينهم ، كسائر أموالهم المشتركة بابتياع أو ميراث ، فيكون في حكم هذه الجارية بعد إحبالها كحكم الجارية المشتركة إذا أحبلها أحد الشركاء فلا حد عليه : لأنه قدر ملكه فيها شبهة في باقيها ، وعليه من مهر مثلها [ ص: 239 ] بقدر حصص شركائه فيها ، ويصير ملكه منها أم ولد له : لأنه قد أحبلها بحر في ملك ولا يخلو في باقيها من أن يكون موسرا بقيمته أو معسرا به ، فإن كان موسرا بباقيها قوم عليه ، كما تقوم عليه حصص شركائه لو أعتق قدر سهمه ، فعلى هذا يكون جميع ولده حرا : لأنها علقت به في ملك وفي شبهة ملك ، ولا قيمة عليه للولد : لأنها ولدته في ملكه ، وقد صار جميعها أم ولد له ؛ لأنها علقت منه بحر في ملك ، وإن كان معسرا بحصص شركائه منها لم يقوم عليه باقيها ، وكان ملكا لشركائه فيها ، وكان قدر سهمه من الولد وهو العشر : لأن أحد الشركاء العشرة حر : لأنه قدر ما يملكه منه ، كما قد صار عشر الأم أم ولد في تقويم باقي الولد عليه مع إعساره وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يقوم عليه مع الإعسار ، كما لا يقوم عليه باقي الأم إذا كان معسرا ، فعلى هذا يكون عشر الولد حرا ، وباقيه مملوكا ، وعشر الجارية أم ولد وباقيها مملوكا ، وإن ملك باقيها من بعد بابتياع أو ميراث كان باقيها على رقه ، ولم تصر أم ولد له : لأنه مقابل لرق ولده : لأنها علقت بمملوك في غير ملك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يقوم عليه بقيمة الولد مع إعساره ، وإن لم تقوم عليه بقية الأم بإعساره .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أن الحرية في الولد أصل متقدم ، وهي في الأم فرع طارئ فلم تتبعض حرية الولد : لأن الرق لا يطرأ على حرية ثابتة ، فجاز أن يتبعض في الأم ؛ لأن العتق يجوز أن يطرأ على رق ثابت ، فعلى هذا يصير جميع الولد حرا ، ويكون عشر الأم أم ولد ، فإن ملك باقيها من بعد ، فهل تصير أم ولد له على قولين : لأنه قد أولدها حرا في غير ملك ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية