الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا صح انعقاد هذا النذر ، وجب إيصاله إلى الحرم وهو على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يجعله للكعبة ، فعليه أن يخص به الكعبة ، ولا يصرفه إلى المساكين ، فإن كان ثوبا كساها به ، وجعله سترا عليها ، وإن كان طيبا جعله طيبا لها ، وإن كان شمعا أشعله لها ، وإن كان ذهبا جعله لمصابيحها ، وإن كان من صنوف المتاع التي لا تستعمل في الكعبة ، باعه وصرف ثمنه في مصالحها .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يجعله لأهل الحرم ، فلا يجوز أن يصرفه في مصالح الكعبة ، وعليه أن يصرفه في الفقراء والمساكين ، وهم دون الأغنياء ، لأنهم أهل الصدقات ، وفي جواز صرفه في ذوي القربى منهم وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 484 ] أحدهما : لا يجوز لوجوبه كالزكوات والكفارات .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجوز صرفه فيهم ، لأنه تطوع بنذره فأشبه تطوع الصدقات .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يطلق نذره ، فلا يجعله مختصا بمصالح الكعبة ، ولا مصروفا في مساكين الحرم ، فيجب صرفه إلى المساكين ، لأنهم أهل الصدقات في الشرع ، فكانوا أحق بقرب النذر فعلى هذا ينظر في متاع النذر ، فإن كان تفريقه عليهم ممكنا ونافعا ، كالطعام والثياب وجب تفريقه عليهم ، ولم يجز بيعه ، وصرف ثمنه فيهم ، كما لو كانت دراهم ، أو دنانير ، لأن إخراج القيم ، فيما استحق أعيانه لا يجوز ، كالزكوات .

                                                                                                                                            وإن كان المتاع مما لا يمكن تفريقه فيهم ؛ لأنه بغيره أنفع كالطيب واللؤلؤ والجوهر ، كان حقهم في قيمته .

                                                                                                                                            وهل يلزم الناذر بيعه ؟ أو دفع قيمته ؟ فيه وجهان مخرجان من اختلاف قول الشافعي في العبد الجاني هل يفديه السيد بقيمته ؟ أو بثمنه ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يفديه بقيمته ، فعلى هذا يجوز للناذر أن يصرف قيمته إليهم ، وإن لم يبعه .

                                                                                                                                            والثاني : أن عليه أن يبيع العبد الجاني لجواز ابتياعه بأكثر من قيمته ، فعلى هذا يلزمه بيع هذا المتاع بأكثر لجواز أن يرغب فيه من يشتريه بأكثر من ثمنه ، فإن أراد أن يأخذه بالثمن المبذول فيه جاز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية