الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        940 [ ص: 233 ] ( 74 ) باب دخول الحائض مكة

                                                                                                                        896 - مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع . فأهللنا بعمرة . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا " . قالت : فقدمت مكة وأنا حائض . فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة . فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : " انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ودعي العمرة " قالت : ففعلت فلما قضينا الحج ، أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، إلى التنعيم ، فاعتمرت . فقال : " هذا مكان عمرتك " . فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا منها ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ، لحجهم . . وأما الذين كانوا أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا . [ ص: 234 ] مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة بمثل ذلك .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        18696 - قال أبو عمر : هكذا روى هذا الحديث يحيى بن يحيى بهذين الإسنادين ، ولم يروه أحد من رواة " الموطأ " وغيرهم عن مالك كذلك .

                                                                                                                        18697 - وإنما الحديث عند جميعهم غير يحيى عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، لا عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، كما روى يحيى .

                                                                                                                        18698 - وليس إسناد عبد الرحمن بن القاسم عند غير يحيى من رواة " الموطأ " في هذا الحديث .

                                                                                                                        18699 - وقد زدنا هذا المعنى بيانا في " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 235 ] [ ص: 236 ] 18700 - وأما قول عائشة في هذا الحديث : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع ، ففيه حج المرأة مع زوجها .

                                                                                                                        18701 - وفي معنى ذلك سفرها معه حيث شاء ومما أبيح له ولها ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ; " لا تسافر امرأة إلا مع زوجها ، أو أبيها ، أو ابنها ، أو أخيها ، أو ذي محرم منها " .

                                                                                                                        18702 - وروي عنه : مسيرة بريد ، ومسيرة يوم ، ومسيرة يوم وليلة ، ومسيرة يومين ، ومسيرة ثلاثة أيام ، وسيأتي القول في ذلك في موضعه عند ذكر حديث مالك في ذلك إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                        18703 - واختلفوا في المرأة التي لا زوج لها ، ولا معها ذو محرم يطاوعها على السفر إلى الحج معها ، هل تحج من غير زوج ، ولا ذي محرم أم لا ؟ وهل الزوج والمحرم من السبيل ، الذي قال الله تعالى : من استطاع إليه [ ص: 237 ] سبيلا ( آل عمران : 97 ) أم لا ؟ .

                                                                                                                        18704 - فقالت طائفة : الزوج والمحرم من السبيل ، منهم : إبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، والحسن البصري ، وابن سيرين ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبو حنيفة ، وأصحابه .

                                                                                                                        18705 - وبه قال أحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        18706 - وقال مالك ، والشافعي : إذا لزم المرأة الحج ، وأبى زوجها من الخروج معها ، أو لم يكن معها زوج ، ولا ذو محرم ، حجت مع النساء ، وليس المحرم عندهما من السبيل .

                                                                                                                        18707 - وقال ابن سيرين : تخرج مع رجل من المسلمين ثقة .

                                                                                                                        18708 - وقال الأوزاعي : تخرج مع قوم عدول ، وتتخذ سلما تصعد عليه ، وتنزل ، ولا يقربها رجل إلا أن يأخذ برأس البعير ، وتضع رجلها على ذراعه .

                                                                                                                        18709 - أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثني محمد بن عثمان قال : حدثني إسماعيل بن إسحاق قال : حدثني علي بن المديني قال : حدثني محمد بن حازم قال : حدثني أبو معاوية قال : حدثني الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها ، أو أبوها ، أو أخوها ، أو [ ص: 238 ] أمها ، أو ابنها ، أو ذو محرم منها .

                                                                                                                        18710 - وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                                                                                                                        18711 - وروي هذا المعنى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عباس ، ومن حديث عبد الله بن عمر ، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن [ ص: 239 ] العاص .

                                                                                                                        18712 - وروى يونس ، عن ابن شهاب ، عن عمرة ، عن عائشة أنها أخبرت أن أبا سعيد الخدري يحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر إلا مع ذي محرم " .

                                                                                                                        فقالت عائشة : ما كلهن ذوات محرم ، ولا كل النساء يجدن محرما
                                                                                                                        .

                                                                                                                        18713 - وأما قولها : " فأهللنا بعمرة " فإن عروة قد خولف في ذلك عنها .

                                                                                                                        18714 - قال أبو عمر : لم يخالفه عندي من هو حجة عليه ؛ لأن عروة أحفظ أصحاب عائشة .

                                                                                                                        [ ص: 240 ] 18715 - ومن أهل بعمرة في أشهر الحج ، وهو يريد الحج في عامه ، فهو متمتع بإجماع إذا حج .

                                                                                                                        18716 - ومعلوم أن خروجهم كان في ذي القعدة ، وهو من شهور الحج ، وحجوا في عامهم ، فدل على أنه كان منهم المتمتع بالعمرة إلى الحج ، ومنهم المنفرد بالحج ، ومنهم من قرن العمرة مع الحج .

                                                                                                                        18717 - وهذا ما لا خلاف فيه من أهل الآثار وعلماء الأمصار .

                                                                                                                        18718 - وكذلك أجمعوا أن ذلك سنة معمول بها ، إلا أنهم اختلفوا في الأفضل منها ، وفيما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرما به في حاجة نفسه يومئذ .

                                                                                                                        18719 - وأما قولها : ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كان معه هدي ، فليحل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منها جميعا .

                                                                                                                        18720 - وفيه أدل دليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في حجته قارنا ، فإنه لا خلاف أنه كان معه يومئذ الهدي ، ساقه مع نفسه ، وقلده بذي الحليفة ، وأشعره إلى ما أتى به علي من اليمن .

                                                                                                                        [ ص: 241 ] 18721 - ويؤيد ما ذكرنا حديث حفصة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : " إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر الهدي " .

                                                                                                                        18722 - فهذا القول مع قوله لأصحابه : " من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة " أوضح دليل على أنه كان قارنا - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - إلى الآثار التي قدمنا ذكرها في باب القران ، قد صرحت وأفصحت بأنه كان قارنا ، فإذا كان ما ذكرنا كما وصفنا كان معنى قول عائشة - رحمها الله - في رواية القاسم ، ومن تابعه عنها بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج ، أي : أباح الإفراد وأذن فيه ، وأمر به ، وبينه - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        18723 - وقد أوضحنا وجوه الإفراد ، والتمتع ، والقران فيما تقدم ، والحمد لله .

                                                                                                                        18724 - وفي رواية مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج دليل على أن يحيى وهم في رواية حديث هذا الباب ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، وإنما هو حديث عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة عند الجميع .

                                                                                                                        18725 - وقد يمكن أن يكون الحديث عند مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، كما رواه يحيى عنه ، فذكره في حين كون يحيى عنده .

                                                                                                                        [ ص: 242 ] 18726 - وأما قولها : " فقدمت مكة ، وأنا حائض ، فلم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة " فهذا ما لا خلاف فيه أيضا أن الحائض لا تطوف بالبيت ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها : " افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت " .

                                                                                                                        18727 - وقد أجمعوا : أن سنة الطواف بين الصفا والمروة أن يكون موصولا بالطواف بالبيت ، وقد أوضحنا فيما سلف من كتابنا معاني ذلك كله .

                                                                                                                        18728 - وأما قولها : فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " انقضي رأسك ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة " فإن جماعة من أصحابنا ، وأصحاب الشافعي تأولوا في قوله : " ودعي العمرة " أي : دعي عمل العمرة ، يعني الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمرها برفض العمرة ، وإنشاء الحج ، كما زعم الكوفيون .

                                                                                                                        18729 - وذكر ابن وهب ، عن مالك أنه قال في حديث عروة ، عن عائشة : هذا ليس عليه العمل عندنا قديما ، ولا حديثا قال : وأظنه وهما .

                                                                                                                        [ ص: 243 ] 18730 - قال أبو عمر : يريد مالك أنه ليس عليه العمل في رفض العمرة ; لأن الله - عز وجل - قد أمرنا بإتمام الحج والعمرة لكل من دخل فيهما .

                                                                                                                        18731 - والذي عليه العمل عند مالك ، والشافعي ، وجمهور أهل الحجاز في المعتمرة تأتيها حيضتها قبل أن تطوف بالبيت ، وتخشى فوت عرفة ، وهي حائض لم تطف ، أنها تهل بالحج ، وتكون كمن قرن بين الحج والعمرة ابتداء ، وعليها هدي القران .

                                                                                                                        18732 - ولا يعرفون رفض العمرة ، ولا رفض الحج لأحد دخل فيهما ، أو في أحدهما .

                                                                                                                        18733 - وممن قال بذلك : مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور ، وإبراهيم بن علية ، كلهم يقول ذلك في الحائض المعتمرة .

                                                                                                                        18734 - وفي المعتمر يخاف فوت عرفة قبل أن يطوف ، قالوا : فلا يكون إهلاله رفضا للعمرة ، بل يكون قارنا بإدخال الحج على العمرة . 18735 - ودفعوا حديث عروة ، عن عائشة المذكور في هذا الباب بضروب من الاعتلال ، وعارضوه بآثار مروية ، عن عائشة بخلافه ، قد ذكرناها كلها ، أو أكثرها في " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 244 ] 18736 - وذكرنا اعتلالهم هناك بما أغنى عن ذكره هنا .

                                                                                                                        18737 - واختصار ذلك أن القاسم ، وعمرة ، والأسود رووا عن عائشة أنها كانت محرمة بحجة ، لا بعمرة ، فكيف يصح أن يقول لها : دعي العمرة .

                                                                                                                        18738 - وقد أوضحنا هذا ، وجئنا بألفاظ الأحاديث الشاهدة بذلك في " التمهيد " .



                                                                                                                        [ ص: 245 ] [ ص: 246 ] 18739 - قال إسماعيل بن إسحاق : لما اجتمع هؤلاء الثلاثة - يعني : القاسم ، والأسود ، وعمرة - على أن عائشة كانت محرمة بحج لا بعمرة علمنا بذلك أن الرواية التي رويت عن عروة غلط .

                                                                                                                        [ ص: 247 ] 18740 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : المعتمرة الحائض إذا [ ص: 248 ] [ ص: 249 ] [ ص: 250 ] خافت فوت عرفة ، ولم تكن طافت ، ولا سعت رفضت عمرتها ، وألغتها ، وأهلت بالحج ، وعليها لرفض عمرتها دم ، ثم تقضي عمرة بعد .

                                                                                                                        18741 - وحجتهم : حديث ابن شهاب هذا عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها - إذ شكت إليه حيضتها - : " دعي عمرتك ، وانقضي [ ص: 251 ] رأسك وامتشطي ، وأهلي بالحج " وكذلك رواه هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، كما رواه ابن شهاب بمعنى واحد .

                                                                                                                        18742 - قالوا : وفي قوله لها : " انقضي رأسك ، وامتشطي دليل على رفض العمرة ; لأن القارنة لا تمتشط ، ولا تنفض رأسها .

                                                                                                                        18743 - قالوا : لا وجه لمن جعل حديث عروة خطأ ; لأن الزهري ، وعروة لا يقاس بهما غيرهما في الحفظ والإتقان .

                                                                                                                        18744 - قالوا : وكذلك روى عكرمة ، عن عائشة ، وابن أبي مليكة عن عائشة .

                                                                                                                        18745 - ذكر عبد الرزاق قال : ذكرت للثوري ما حدثناه معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قال علي - رضي الله عنه - : إذا خشي المتمتع فوتا أهل بالحج مع عمرته ، وكذلك الحائض المعتمرة تهل بحج مع عمرتها .

                                                                                                                        18746 - وعن الحسن ، وطاوس مثله .

                                                                                                                        18747 - وقال الثوري : لا نقول بهذا ، ولا نأخذ به ، ونأخذ بحديث [ ص: 252 ] عائشة ، ونقول : عليها لرفض عمرتها دم ، والله أعلم .

                                                                                                                        18748 - قال أبو عمر : ليس في حديث عروة عن عائشة ذكر دم ، لا من رواية الزهري ، ولا من رواية غيره ، بل قال فيه هشام بن عروة : ولم يكن في شيء من ذلك دم . ذكره أنس بن عياض وغيره ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في حديثهما هذا .

                                                                                                                        18749 - وذكره البخاري فقال : حدثني محمد قال : حدثني أبو معاوية قال : حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافين لهلال ذي الحجة ، فقال لنا : من أحب منكم أن يهل بالحج فليهل ، ومن أحب منكم أن يهل بالعمرة فليهل ، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة ، قالت : فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحجة ، وكنت ممن أهل بعمرة ، فأظلني يوم عرفة ، وأنا حائض ، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ارفضي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم ، [ ص: 253 ] فأهللت بعمرة مكان عمرتي .

                                                                                                                        18750 - قال أبو عمر : هذا أقوى ما احتج به الكوفيون في رفض العمرة للحائض المعتمرة المريدة للحج ، وقد عارض عروة في ذلك من ليس بدونه في الحفظ ، وأقل الأحوال سقوط الاحتجاج بما قد صح به التعارض ، والتدافع ، والرجوع إلى ظاهر قول الله - تعالى - : وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة : 196 ) .

                                                                                                                        18751 - وقد أجمعوا : أن الخائف لفوت عرفة أنه لا يحل له رفض العمرة ، فكذلك من خاف فوت عرفة ، لأنه لا يمكنه إدخال الحج على العمرة ، ويكون قارنا ، فلا وجه لرفض العمرة في شيء من النظر .

                                                                                                                        18752 - وأما الأثر فقد اختلفت الرواية فيه ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        18753 - فإن قيل : لو كانت قارنة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرسلها مع أخيها تعتمر ، ثم يقول لها : هذه مكان عمرتك " .

                                                                                                                        [ ص: 254 ] 18754 - قيل له : قد صححنا أنها لم تكن مهلة بعمرة ، فسقط عنها الجواب .

                                                                                                                        18755 - ويحتمل أن لو كانت مهلة بعمرة ثم قرنت بها حجا أن يكون معنى قولها : يرجع صواحبي بحج وعمرة ، وأرجع أنا بالحج ، أي أرجع أنا ، ولم أطف إلا طواف الحج ، فأرادت أن تكون عمرتها مفردة تطوف بها ، وتسعى كما صنع غيرها .

                                                                                                                        18756 - ألا ترى إلى قولها : وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا بهما طوافا واحدا .

                                                                                                                        18757 - وأما قولها : فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا منها ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم فهكذا السنة في كل من تمتع بالعمرة إلى الحج أن يطوف من عمرته ، وينحر ، ثم يطوف طواف الإفاضة لحجه يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة ، وهذا ما لا خلاف فيه ، ولا مدخل للكلام عليه ، وقد مضى القول نحو ذا في إدخال الحج على العمرة ، وما في ذلك للعلماء من المذاهب والمعاني فيما تقدم من كتابنا هذا .

                                                                                                                        [ ص: 255 ] 18758 - وأما قولها : وأما الذين كانوا أهلوا بالحج ، أو جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا ، فلا خلاف بين العلماء أن المرمل بالحج منفرد لا يطوف إلا طوافا واحدا يوم النحر يحل به من كل شيء : من النساء ، وغير النساء مما كان حراما عليه ، ويستحب له ألا يطوف يوم غير ذلك الطواف ، فإن طاف بعده ما شاء متطوعا ذلك اليوم ، لم يحرم عليه .

                                                                                                                        18759 - وأما من جمع الحج والعمرة ، فإن العلماء قد اختلفوا قديما وحديثا في طواف القارن وسعيه :

                                                                                                                        18760 - فقال مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : يجزئ القارن طواف واحد ، وسعي واحد .

                                                                                                                        18761 - وهو مذهب عبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، والحسن ، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد ، وطاوس .

                                                                                                                        18762 - وحجتهم حديث عروة ، عن عائشة هذا ، وآثار قد ذكرتها في " التمهيد " منها حديث الدراوردي عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من جمع الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد " .

                                                                                                                        [ ص: 256 ] 18763 - وهذا الحديث لم يرفعه أحد عن عبيد الله غير الدراوردي ، عن عبد الله ، وغيره أوقفه على ابن عمر .

                                                                                                                        18764 - وكذلك رواه مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر موقوفا .

                                                                                                                        18765 - ومن حجتهم أيضا حديث ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " إذا رجعت إلى مكة ، فإن طوافك يجزئك لحجتك ، وعمرتك " .

                                                                                                                        18766 - وآثار قد ذكرتها كلها بما فيها في " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 257 ] 18767 - وقال الثوري ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن صالح : على القارن طوافان وسعيان .

                                                                                                                        18768 - وروي هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود .

                                                                                                                        18769 - وبه قال الشعبي ، وجابر بن زيد .

                                                                                                                        18770 - قال أبو عمر : الحجة بحديث عروة ، عن عائشة في طواف القارن أنه طواف واحد لازمة للكوفيين ; لأنهم يأخذون به في رفض العمرة مع احتماله في ذلك للتأويل ، ويتركونه في طواف القارن ، ولا يحتمل التأويل .




                                                                                                                        الخدمات العلمية