الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة : ( وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما ، وكبر وهلل ، ويقول بين الركنين : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ويدعو في سائره بما أحب ) .

في هذا الكلام فصول :

أحدها : أنه يستلم الركنين اليمانيين خاصة ، ويكره استلام .. . ، قال أحمد [ ص: 444 ] في رواية المروذي - : ولا تستلم من الأركان شيئا إلا ما كان من الركن اليماني ، والحجر الأسود ، فإن زحمك الناس ، ولم يمكنك الاستلام فامض وكبر ؛ وذلك لما روي عن ابن عمر قال : ( لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يمس من الأركان إلا اليمانيين ) . رواه الجماعة إلا الترمذي . وفي لفظ في الصحيح : ( لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استلم من البيت ) وفي لفظ : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني ) .

وعن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة ، وكان عبد الله بن عمر يفعله ) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفي لفظ لأحمد : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلم هذين الركنين اليمانيين كلما مر عليهما ولا يستلم الآخرين ) .

وعنه - أيضا - قال : ( ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر منذ [ ص: 445 ] رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمهما - في شدة ولا رخاء ) . متفق عليه .

وعن ابن عباس قال : ( لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلم غير الركنين اليمانيين ) . رواه أحمد ومسلم .

وعن عبيد بن عمير : ( أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، إنك تزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يزاحم عليه ، قال : إن أفعل فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن مسحهما كفارة للخطايا ، وسمعته يقول : من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه : كان كعتق رقبة ، وسمعته يقول : لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة ، وكتب له بها حسنة ) . رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

وعن ابن عمر أنه قيل له : ( ما أراك تستلم إلا هذين الركنين ، قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن مسحهما يحط الخطيئة ) . رواه أحمد والنسائي لفظه .

[ ص: 446 ] وذلك لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم ، فالركنان اللذان يليان الحجر ليسا بركنين في الحقيقة ، وإنما هما بمنزلة سائر الجدار ، والاستلام إنما يكون للأركان ، وإلا لاستلم جميع جدار البيت في الطواف .

وأما تقبيل الركن اليماني : ففيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : وهو المنصوص عن أحمد - : أنه لا يقبله ؛ قال عبد الله : قلت لأبي ما يقبل ؟ قال : يقبل الحجر الأسود ، قلت لأبي فالركن اليماني ؟ ، قال : لا ، إنما يستلم ولا يقبل إلا الحجر الأسود وحده .

وكذلك قال - في رواية الأثرم - : لا يقبل اليماني ، وقال - في رواية المروذي - : وهذا قول أكثر أصحابنا ؛ مثل القاضي وأصحابه مثل الشريف أبي جعفر ، وأبي المواهب العكبري ، وابن عقيل ، وأبي الخطاب في خلافه وغيرهم .

وقال الخرقي وابن أبي موسى : يستلمه ويقبله كالحجر ، قال ابن أبي موسى : يستلمه بفيه إن أمكنه ، وإن لم يمكنه فبيده ويقبلها ، قال : ولا يقبل إلا [ ص: 447 ] الركنين اليمانيين لما روي عن ابن عباس قال : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل الركن اليماني ، ويضع خده عليه ) . رواه الدارقطني ، ورواه الأزرقي عن مجاهد مرسلا ، ومداره على عبد الله بن هرمز عن مجاهد .

وقال أبو الخطاب : يستلمه ويقبل يده لما روي عن عمر بن قيس ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : استلم الحجر فقبله ، واستلم الركن اليماني فقبل يده ) . رواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات .

والأول : أصح ؛ لأن الذين وصفوا حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمره : ذكروا أنه [ ص: 448 ] كان يستلم الحجر ويقبله ، وأنه كان يستلم الركن اليماني ولم يذكروا تقبيلا ، ولو قبله لنقلوه ، كما نقلوه في الركن الأسود ، لا سيما مع قوة اعتنائهم بضبط ذلك ، وهذا ابن عمر أتبع الناس لما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته لم يذكر إلا الاستلام

التالي السابق


الخدمات العلمية