الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في الوصية بالعين والدين

                                                                                                                                            وإذا مات رجل وترك ابنين وترك عشرة دراهم عينا ، وعشرة دراهم دينا على أحد الابنين وأوصى لرجل بثلث ماله ، فللموصى له الثلث ثلث العين وثلث الدين ، فيصير ذلك بينهم على ثلاثة أسهم ، سهم للموصى له ويبقى سهمان بين الابنين .

                                                                                                                                            وفي استيفاء الابن حقه من دينه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهم يشتركون في العين والدين ، فلا يستوفي من عليه الدين حقه من الدين لاستحقاق التسوية بينهم في العين والدين كما لو كان الدين على أجنبي .

                                                                                                                                            [ ص: 268 ] فعلى هذا تكون العشرة العين بينهم أثلاثا ، يأخذ الموصى له ثلثها ثلاثة دراهم وثلثا ، ويأخذ كل واحد من الابنين ثلاثة دراهم وثلثا ، ويبرأ من عليه الدين من ثلث ما عليه وهو قدر حقه ثلاثة دراهم وثلث ويبقى عليه ستة دراهم وثلثان منها ثلاثة دراهم وثلث للموصى له ، وثلاثة دراهم وثلث للابن الآخر ، وعلى هذا القياس لو كانت الوصية بالربع أو الخمس .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن من عليه من الابنين يستوفى حقه منه ويختص بالعين الموصى له والابن الذي ليس عليه دين ، وهذا اختيار ابن سريج وعليه فرع ؛ لأنه لا معنى لأن يأخذ من عليه الدين من التركة ما يلزم رده إلى التركة ويجعل بدل أخذه بقدر حقه ورده قضاها من دينه .

                                                                                                                                            فعلى هذا يكون وجه العمل فيه أن تكون التركة وهي عشرون دينارا عينا ودينا بينهم على ثلاثة أسهم ، يستحق بكل سهم منها في التركة ستة دراهم وثلثان ، فيبرأ من عليه الدين من قدر حقه وهو ستة دراهم وثلثان من الدين عليه ، ويبقى عليه ثلاثة دراهم وثلث .

                                                                                                                                            وتقسم العشرة العين بين الموصى له والابن الآخر بالتسوية ، فيأخذ الموصى له خمسة ويبقى له من استكمال الثلث درهم وثلثان ، يرجع به على من عليه الدين ويأخذ الابن الآخر خمسة ويرجع بباقي حقه وهو درهم وثلثان ، على أخيه وقد استوفوا جميعا حقوقهم .

                                                                                                                                            فعلى هذا لو كانت الوصية بالربع والتركة بحالها ، قيل التركة في الأصل على أربعة أسهم : سهم وهو الربع للموصى له ويبقى ثلاثة بين الابنين لا تصح ، فابسطها من ثمانية يخرج الكسر منها فتقسم العشرون العين والدين على ثمانية أسهم ، سهمان منها للموصى له بالربع ، وثلاثة أسهم لكل ابن فيسقط من دين من عليه الدين قدر حقه من جميع التركة وهو ثلاثة أثمان العشرين سبعة دراهم ونصف وتقسم العشرة العين بين الموصى له والابن الآخر على خمسة أسهم ، فيأخذ الموصى له بسهم منها أربعة دراهم ، ويأخذ الابن بثلاثة أسهم منها ستة دراهم ويبقى على صاحب الدين درهمان ونصف وهي بين أخيه والموصى له على خمسة أسهم منها لأخيه ثلاثة أسهم درهم ونصف ، ينضم إلى ما أخذه من العين وهو ستة ، تصير سبعة دراهم ونصفا وهو جميع حقه .

                                                                                                                                            وللموصى له من بقية الدين سهمان ، درهم واحد ، ينضم إلى ما أخذه من العين وهو أربعة ، تصير خمسة دراهم وهم جميع الربع الذي أوصى له به .

                                                                                                                                            وعلى هذا : لو كانت الوصية بالخمس ، كانت التركة على خمسة أسهم ، منها سهم للموصى له ، وسهمان لكل ابن ، فيأخذ صاحب الدين سهمين من دينه وهو ثمانية دراهم ، ويبقى عليه درهمان ، وتكون العشرة العين بين أخيه والموصى له ثلاثة أسهم ، سهمان للأخ ستة دراهم وثلثان ، وسهم للموصى له ثلاثة دراهم وثلث ، ويكون الدرهمان الباقيان على [ ص: 269 ] صاحب الدين بين أخيه والموصى له على ثلاثة ، ثلثاه لأخيه وهو درهم وثلث ويصير مع ما أخذه ثمانية دراهم ، وثلثه للموصى له وهو ثلثي درهم ، يصير مع ما أخذه أربعة دراهم ، ثم يتفرع على هذا الوجه .

                                                                                                                                            والمسألة الثانية : أن يكون على الابن جمع دين أبيه ، عشرة دراهم دين لأجنبي وقد أفلس بها في حال حياة الأب .

                                                                                                                                            ففيما يستحقه الابن من العشرة العين وجهان ذكرهما ابن سريج :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يختص بها إخوة الموصى له دون غريمه ؛ لأنه قد أخذ منها بإزائه من دينه ، فيكون الجواب على ما مضى ويبقى عليه دين الغريم بكماله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن حقه من العين مال مكتسب ، فلا يختص به بعض الدين ويستوي فيه شركاؤه والغريم .

                                                                                                                                            ويشبه أن يكون تخريج هذين الوجهين من اختلاف قوليه في الشفعة ، إذا ورث الأخوان دارا ، ثم مات أحدهما وخلف ابنين ، فباع أحد الابنين حقه في الدار ، ففي مستحق الشفعة قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها لأخيه والموصى له دون عمه .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشفعة بين أخيه وعمه .

                                                                                                                                            فعلى هذا تكون حصة صاحب الدين بين أخيه والموصى له وغريمه .

                                                                                                                                            فإذا قيل بهذا الوجه ، فطريق العمل به أن يقال : يبرأ صاحب الدين من ثلث دينه وهو ثلاثة دراهم وثلث قدر حقه منه ، عليه ثلثاه ستة دراهم وثلثان ، ثم تقسم العشرة العين أثلاثا ويأخذ كل واحد من الموصى له والأخ ثلثها ثلاثة دراهم وثلثا ويبقى ثلاثة دراهم وثلث هي حصة صاحب الدين ، فتقسم بين غرمائه على قدر ديونهم والذي عليه لأخيه ثلاثة دراهم وثلث قدر ميراثه من دينه وللموصى له ثلاثة دراهم وثلث قدر الوصية له من دينه وعليه لغريمه عشرة دراهم ، فتقسم الثلاثة والثلث بينهم على خمسة أسهم ويأخذ الأخ بسهمه منها ، ثلثي درهم ويبقى له درهمان وثلثان ويأخذ الموصى له بسهم منها ويبقى له درهمان وثلثان ويأخذ الغريم بثلاثة أسهم منها ، درهمين ويبقى له ثمانية دراهم .

                                                                                                                                            ثم يتفرع على هذا أن يترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه ولا وارث له غيرهما ويوصي لرجل بثلثي دينه ، فتنقسم العشرة العين نصفين ، يأخذ الابن الذي لا دين عليه نصفها خمسة ويبقى خمسة هي حصة الابن الذي عليه الدين ، فتصرف فيما يستحق عليه من دينه وفي مستحقها وجهان حكاهما ابن سريج بنيا على الوجهين الماضيين : أحدهما أنها تقسم بين أخيه وبين الموصى له بثلثي الدين على قدر حصتهما وذلك على خمسة أسهم ؛ لأن الباقي لأخيه درهم وثلثان وللموصى له بثلث الدين ستة دراهم وثلثان ، فيكون للأخ سهم من الخمسة ويأخذ به من الخمسة درهما واحدا ويبقى [ ص: 270 ] من حقه ثلث درهم ويرجع به على أخيه ويكون للموصى له أربعة دراهم من خمسة ويأخذ بها من الخمسة أربعة دراهم ويبقى له من وصيته درهمان وثلثان ويرجع بها على الذي عليه الدين وقد برئ الذي عليه الدين من ستة دراهم وثلثين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن الخمسة العين التي هي حصة الابن الذي عليه الدين من العين مختص بها الموصى له بثلثي الدين دون الأخ ؛ لأنه قد صار إلى الأخ منها أربعة ، للموصى له من بقية ثلثي الدين درهم وثلثان ويرجع به على من عليه الدين ويبقى للآخر درهم وثلثان ، يرجع به على أخيه .

                                                                                                                                            وفي هذا الفصل من دقيق المسائل فقه وحساب وما أغفلناه كراهة الإطالة والضجر ( والله المعين وبه التوفيق ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية